عادات الزواج في السودان 

يتميز السودان بتعدد ثقافاته وتنوع قبائله، ما يجعل طقوس الزواج فيه لوحة اجتماعية فريدة تعكس التقاليد الأصيلة والموروثات المتجذرة في الذاكرة الشعبية. لا يُنظر إلى الزواج في السودان كمجرد ارتباط بين رجل وامرأة، بل هو عقد اجتماعي واسع يربط بين العائلتين والمجتمع المحيط. تُمارس طقوس الزواج السوداني في المدن والقرى على حد سواء، لكنها تحمل نكهات مختلفة تبعًا للمنطقة والقبيلة. سنتناول في هذا المقال تفصيلًا شاملًا لمراحل الزواج وعاداته، من أول زيارة لأهل العروس وحتى ليلة الزفاف، مع تسليط الضوء على رمزية كل طقس ومكانته في المجتمع السوداني.

مرحلة قولة الخير: البداية الرسمية للزواج

“قولة الخير” هي المرحلة التمهيدية التي تُبنى عليها جميع المراحل اللاحقة في الزواج السوداني. يتوجه وفد من أهل العريس لزيارة أهل العروس لتقديم طلب الزواج. تُحاط هذه الزيارة بجو من الاحترام والتهذيب، وتُقدم فيها هدايا رمزية مثل التمر والمكسرات والمشروبات. هذه الزيارة ليست فقط للتعارف، بل لتأكيد النية الطيبة والجدية. في حال قبول العائلة، تُفتح الأبواب للمرحلة التالية.

الشيلة والمهر: الاتفاق على الأسس

تُعد “الشيلة” من التقاليد المهمة، وهي مجموعة من الهدايا يقدمها أهل العريس للعروس وتشمل ملابس، عطور، ذهب، وأدوات تجميل. يُرفق ذلك بالمهر المتفق عليه، والذي يختلف حسب العادات المحلية وقدرة العريس. يتم في هذا اللقاء توثيق الشروط والاتفاقات، مما يُعزز الثقة ويُثبت النوايا الجادة لدى الطرفين.

الدلكة والزرينة: طقوس الجمال والاستعداد

قبل الزفاف بأيام، تبدأ العروس في طقوس جمالية خاصة تشمل “الدلكة” وهي خلطات طبيعية تُفرك بها البشرة لتنعيمها وتعطيرها. كما يُمارس طقس “الزرينة” باستخدام أنواع معينة من البخور لتهيئة العروس نفسيًا وجسديًا. ترافق هذه الطقوس طقوس اجتماعية مثل الغناء والزغاريد، ما يُضفي على الأجواء طابعًا احتفاليًا مشتركًا.

ليلة الحناء: احتفال الأنوثة والتقاليد

تُعتبر ليلة الحناء واحدة من أبرز الليالي في مراسم الزواج السوداني. تُرسم الحناء على يدي العروس ورجليها بنقوش دقيقة، وتُشارك النساء في الغناء والرقص طوال الليل. تُعبّر هذه الليلة عن فرح النساء بالعروس وتوديعها لمرحلة العزوبية. كما ترتدي العروس خلالها ثوبًا تقليديًا وتُعرض فيها هدايا أهل العريس.

طقس الجرتق: رمزية الارتقاء والمكانة

“الجرتق” طقس سوداني تقليدي عريق يُقام بعد عقد القران. يرتدي العروسان ملابس باللون الأحمر تُزينها الحُلي، ويجلسان على مساند خاصة، ثم يُرش عليهما الحليب والماء لدفع العين والحسد، ويُشعل البخور حولهما. يُلبَس العريس خاتمًا من الفضة ويُزين بالسيف والعصا، في حين تلبس العروس “السوميتة” و”الحريرة”، وهي حُلي تقليدية من الذهب. يُنظر للجرتق كإعلان رسمي بأن الزوجين أصبحا سيدين في مجتمعهما الصغير.

البطان: تعبير عن الفخر والرجولة

“البطان” من العادات التي تُثير فضول الزائرين، حيث يُجلد أصدقاء العريس بالسوط أمام الحضور، تعبيرًا عن الصبر والتحمل. رغم قسوته، إلا أن البطان يُعتبر مظهرًا من مظاهر الفخر بالعرس ويُبرز مكانة العريس الاجتماعية. يُؤدى وسط الأهازيج الشعبية والزغاريد، ويُعد رمزًا للرجولة والانتماء.

يوم الزفاف: الاحتفال الرسمي

تبدأ مراسم الزفاف بعقد القران الذي يتم غالبًا في المسجد أو في البيت بحضور المأذون والشهود. بعدها يُقام الاحتفال الكبير الذي قد يستمر يومًا أو أكثر. تُقدَّم الأطعمة السودانية التقليدية مثل العصيدة والكسرة والملوحة، وتُقام حلقات الرقص الشعبي مثل “التم تم” و”الدليب”. يجتمع في الزفاف أهل الحي والأقارب من البعيد والقريب، وهو مناسبة لتعزيز الروابط العائلية والمجتمعية.

ما بعد الزواج: زيارة الأهل وتقديم النُّقطة

بعد انتهاء حفل الزفاف، يزور الزوجان أهل العروس فيما يُعرف بـ”الرجعة”، حيث يتم استقبالهم بالحفاوة وتقديم النقطة – وهي مبالغ مالية رمزية يقدمها الضيوف للعروسين. تستمر هذه الزيارات لأيام، وتُعد وسيلة لتمتين العلاقات واستمرار التواصل بين العائلتين.

خاتمة: استمرارية العادات رغم التحديث

على الرغم من التحولات الاجتماعية التي يشهدها السودان في العصر الحديث، لا تزال عادات الزواج تحافظ على جوهرها ورونقها الخاص. قد تختلف التفاصيل من منطقة لأخرى، وقد تُضاف لمسات عصرية إلى بعض الطقوس، لكن يبقى الأصل محفوظًا. الزواج في السودان هو أكثر من احتفال، إنه إعلان عن وحدة اجتماعية تحمل معاني الوفاء، التكافل، والكرم، وتجسيد حي للهوية السودانية التي تفتخر بتقاليدها.