عادات الزواج في سوريا

تتميّز سوريا بتنوع ثقافي غني ينعكس بوضوح في تفاصيل الحياة اليومية، ومن أبرزها عادات الزواج التي تُجسّد روح المجتمع وتقاليده المتوارثة. تختلف طقوس الزواج من منطقة لأخرى، إلا أن هناك مظاهر مشتركة تجمع السوريين في مناسبات الفرح، مما يجعل حفلات الزواج السورية لوحة فنية متكاملة تتنوع ألوانها بين التراث والدين والكرم الشعبي. هذه الطقوس ليست مجرّد مراسم عابرة، بل هي مرآة للهوية الثقافية والانتماء الاجتماعي.

مرحلة الخطوبة في سوريا

تُعدّ الخطوبة الخطوة الأولى والرسمية التي تسبق الزواج في سوريا، وتحمل في طياتها رمزية اجتماعية كبيرة. في العادة، يبادر أهل العريس بالتقدّم لطلب يد العروس بشكل تقليدي، وغالبًا ما يكون ذلك بعد التحقق من النسب والأخلاق والسيرة. بعد القبول، يُقام لقاء تعارفي أولي بين العائلتين لمناقشة تفاصيل المهر، والمؤخر، ومكان السكن. كما يتبادل الطرفان الهدايا كدليل على التفاهم، وقد يترافق ذلك مع إقامة حفلة صغيرة تشمل الأقارب المقربين. في بعض المناطق، يُفضلون إقامة حفل رسمي يعلن فيه عن الخطوبة بحضور واسع، مع زينة وزغاريد وأجواء احتفالية.

العراضة السورية: فرحة ما قبل الزفاف

العراضة تُعتبر واحدة من أبرز مظاهر البهجة في الأعراس السورية، وتسبق الزفاف بعدة أيام أو عشية العرس. تتكوّن العراضة من مجموعة من الشباب يرافقون العريس وهم ينشدون الأهازيج الشعبية ويقرعون الطبول، وتتخللها حركات راقصة وأحيانًا إطلاق نار في المناطق الريفية. الهدف من العراضة ليس فقط الترفيه، بل إعلان دخول العريس مرحلة جديدة في حياته وتوحيد الجيران وأهل الحي في الفرح. وقد يتقدّم العريس وسط موكب الرجال، بينما تُقام الزغاريد من قبل النساء من النوافذ والشرفات، ما يخلق مشهدًا بصريًا وسمعيًا مؤثرًا.

حمام العروس والعريس: طقس تطهيري

لا يزال الكثير من السوريين، خاصة في الأحياء القديمة والمدن التاريخية مثل دمشق وحلب، يحافظون على تقليد الحمّام قبل الزواج. يُرافق العريس أصدقاؤه إلى حمّام شعبي حيث يُغسل ويُعطّر، ويقدّم له الطعام مثل الكبة النيئة والمشاوي. وفي الوقت نفسه، تذهب العروس إلى حمام النساء برفقة قريباتها وصديقاتها، ويتم هناك تزيينها وتقديم الحلوى والشموع المعطّرة. هذا الطقس له دلالات رمزية، منها تطهير الجسد والروح من الماضي، واستقبال الحياة الجديدة بنقاء وطهارة، كما يُعزز العلاقات الاجتماعية ويمنح العروسين دعمًا نفسيًا.

ليلة الحناء: تزيين العروس

ليلة الحناء تُقام خصيصًا لتكريم العروس، وهي ليلة نسائية بامتياز مليئة بالأغاني والموسيقى والرقص، حيث ترتدي العروس فستانًا تقليديًا ويُرسم الحناء على يديها. هذا الطقس يُعتبر في بعض المناطق مباركة للعروس وجلبًا للحظ، كما يُشير إلى وداع العروس لحياتها السابقة واستعدادها للانتقال إلى بيت الزوجية. ترافق هذه الليلة أهازيج قديمة مثل “حنّيتك يا وردة بين البساتين”، وتقدّم خلالها أطعمة تقليدية مثل المعمول والراحة والشاي المعطّر. أحيانًا تُلبس العروس الحلي الذهبية التي أُهديت لها، في استعراض جميل للهدايا.

حفل الزفاف: الاحتفال الكبير

في يوم الزفاف، يتزيّن المكان بالزينة والأنوار، ويُحضّر الطعام بكميات كبيرة، إذ يُعتبر الكرم من شيم الأعراس السورية. يبدأ الحفل باستقبال الضيوف، ثم دخول العروسين وسط تصفيق وزغاريد. في بعض المناطق، يُقام عرض شعبي بالسيوف أو الرقص الفولكلوري، ويُقدَّم الحلوى والمشروبات للضيوف. تتخلل الحفلة فقرات غنائية يشارك فيها المغني الشعبي الذي يُطلق مواويل تمجّد العريس وأهله. وتُعتبر رقصة “الدبكة” عنصراً أساسيًا في الزفاف، وهي رقصة جماعية تُعبّر عن الفرح الجماعي والتلاحم الشعبي. وفي نهاية الحفل، يُودَّع العروسان وسط دعوات بالخير والتوفيق.

الردة: زيارة العروس لأهلها

بعد مرور أيام قليلة من الزفاف، تقوم العروس بزيارة ذويها فيما يُعرف بـ”الردة”. يُرافقها زوجها أحيانًا، وتُقدَّم لهم الضيافة وتُستقبل بالحفاوة. الردة هي طقس رمزي يُؤكّد على استمرار صلة الرحم بعد الزواج، ويُعبّر عن مكانة العروس لدى أهلها. كما تُعدّ فرصة لمتابعة أخبارها والتأكد من سعادتها في منزل الزوج. في بعض المناطق، يُرسل أهل العروس معها هدايا أو مأكولات محلية كنوع من التقدير، بينما يُهدي الزوج أهل زوجته شيئًا رمزيًا تقديرًا لكرمهم في تربيتها.

تأثير الحداثة على عادات الزواج

لم تبقَ العادات السورية بمنأى عن تأثيرات الحداثة والتغيرات الاقتصادية، فقد أصبح العديد من الأزواج يلجأون إلى تبسيط مراسم الزواج بسبب ارتفاع التكاليف. على سبيل المثال، تُقام حفلات صغيرة مقتصرة على الأهل، وتُختصر بعض الطقوس التي كانت تقليدية، مثل الحمام أو العراضة. كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إضفاء طابع عصري على حفلات الخطوبة والزفاف، من خلال مشاركة الصور ومقاطع الفيديو. رغم ذلك، فإن كثيرًا من العائلات السورية، وخاصة في الأرياف والمجتمعات التقليدية، تحرص على الحفاظ على الطقوس القديمة كنوع من الحفاظ على الهوية والانتماء.

التنوع المناطقي في تقاليد الزواج السوري

سوريا بلد متنوع جغرافيًا وثقافيًا، ما يجعل تقاليد الزواج تختلف من منطقة لأخرى. ففي مناطق الساحل مثل طرطوس واللاذقية، تسود أجواء الأعراس التي تعتمد على الغناء البحري والزفة البحرية أحيانًا. أما في الشمال الشرقي، فيُلاحظ تأثر كبير بالعادات الكردية مثل حلقات الرقص الجماعي، بينما في الجنوب كدرعا والسويداء، تُقام أعراس بدوية تتسم بالبذخ والكرم والخيول. دمشق تحتفظ بطابعها التراثي العريق، حيث تُقام الأعراس في البيوت الدمشقية القديمة المصممة حول بحرة تتوسط الحوش، مما يضفي على الزفاف رونقًا فريدًا.

خاتمة

تبقى عادات الزواج في سوريا انعكاسًا لهوية شعب أصيل متمسك بجذوره رغم التغيرات. وبين تقاليد الأجداد وتطلعات الشباب، يبقى الزفاف مناسبة للاحتفاء بالحب والتكافل، وفرصة لإظهار جمال الثقافة السورية المتعددة الأوجه. ورغم الظروف التي مر بها الشعب السوري، ما زالت طقوس الفرح تُقاوم، وتُعبّر عن رغبة في الاستمرارية وبناء مستقبل مفعم بالأمل.