عادات الزواج في كوريا الشمالية

في كوريا الشمالية، لا يمثل الزواج مجرد خطوة شخصية تقليدية، بل هو قرار محكوم بعدد هائل من المعايير السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعكس طبيعة النظام المغلق الذي تحكمه الأيديولوجيا الشمولية. على الرغم من وجود جوانب تراثية وثقافية ما تزال حاضرة في مراسم الزواج، فإن السلطة تتدخل في أدق تفاصيل هذا الحدث، بدءًا من اختيار الشريك وانتهاءً بإتمام الطقوس. تسعى الدولة إلى توظيف الزواج كأداة لضمان الاستقرار السياسي وتعزيز الولاء، ما يجعل من هذا الرابط الإنساني تجربة فريدة ومعقدة داخل حدود كوريا الشمالية.

السن القانوني للزواج في كوريا الشمالية

تحدد الدولة السن القانوني للزواج بـ18 عامًا للرجال و17 عامًا للنساء، لكن نادرًا ما يتزوج الأفراد فور بلوغهم هذا السن، إذ ينتظر كثيرون حتى منتصف أو أواخر العشرينات. يرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الوضع الاقتصادي المتدهور، ومحدودية فرص العمل، والحاجة إلى استيفاء معايير الأهلية التي تفرضها الدولة. يُشجع الأفراد على الانتظار حتى استقرارهم في العمل أو الخدمة العسكرية، وهي شروط غير مكتوبة لكنها متوقعة ضمن النظام الاجتماعي الصارم.

إجراءات الزواج الرسمية في كوريا الشمالية

يخضع الزواج في كوريا الشمالية لإجراءات إدارية صارمة تبدأ بتقديم طلب مشترك من الطرفين إلى لجنة الحي أو المؤسسة التي ينتميان إليها. تُرفق بالطلب تقارير عن السيرة الذاتية والانتماء العائلي والسياسي، وتُجرى مقابلات للتأكد من ملاءمة الطرفين من الناحية الأيديولوجية. لا يتم إتمام الزواج قبل الحصول على الموافقة النهائية من الجهات المحلية التي تعمل كمصفاة للتماشي مع قيم النظام.

الطقوس التقليدية للزواج في كوريا الشمالية

لا تزال بعض مظاهر الزفاف التقليدي حاضرة، مثل ارتداء العروس زي “الهانبوك” التقليدي المميز بألوانه الزاهية، وتقديم الطعام الكوري المحلي للضيوف. إلا أن حفلات الزفاف غالبًا ما تكون بسيطة، خصوصًا في الأوساط الريفية، نظرًا للقيود الاقتصادية. بعض الأزواج يُفضلون إقامة حفلات رمزية صغيرة تقتصر على الأهل، لتوفير المال أو لتجنب تعقيدات التصاريح.

تأثير الأيديولوجيا على الزواج في كوريا الشمالية

لا تُعتبر الأيديولوجيا مجرد خلفية في حياة المواطنين، بل تلعب دورًا محوريًا في تحديد مصير علاقاتهم. الزواج يُستخدم كوسيلة لتعزيز الولاء للنظام، ولذلك يُشجع الأفراد الذين ينحدرون من عائلات ذات ولاء راسخ، أو من العسكريين، على الارتباط ببعضهم البعض. أما الزواج من شخص يحمل خلفية مشبوهة، كأن يكون أحد أقاربه من المنشقين أو المسجونين السياسيين، فقد يُعتبر أمرًا خطيرًا يعرّض مستقبل الطرف الآخر للخطر، سواء في وظيفته أو مكانته الاجتماعية.

الهدايا ومتطلبات تجهيز المنزل في كوريا الشمالية

يُطلب من العروس غالبًا توفير تجهيزات منزلية تتضمن الأثاث والأجهزة الكهربائية، وتُعرف باسم خطة “5+6”. الأرقام تشير إلى خمسة قطع أثاث أساسية مثل الخزائن والطاولات، وستة أجهزة منزلية مثل التلفاز، المروحة، الثلاجة، وغيرها. في مجتمع يعاني من شح الموارد، يُعد تجهيز هذا المطلب تحديًا اقتصاديًا، خصوصًا في المناطق النائية. في المقابل، يُتوقع من العريس تقديم هدايا مثل العطور، مستحضرات التجميل، أو أدوات شخصية، وقد يُطلب منه توفير منزل مستقل في بعض الحالات.

الاختلافات الطبقية في حفلات الزواج في كوريا الشمالية

تُظهر حفلات الزفاف تفاوتًا اجتماعيًا حادًا بين الطبقات في كوريا الشمالية. الطبقات الميسورة أو المنتمية للنخبة السياسية غالبًا ما تقيم حفلات فاخرة تشمل عدة أصناف من الطعام وملابس غالية الثمن وحتى عروض فنية بسيطة. أما أفراد الطبقات المتوسطة أو الكادحة، فيقيمون احتفالات متواضعة غالبًا في منازل العائلة. هذا التفاوت يُبرز وجود طبقية غير مُعلنة، تتعارض مع المفهوم الاشتراكي الذي تروج له الدولة.

القيود الثقافية على حفلات الزواج في كوريا الشمالية

تفرض الحكومة قيودًا صارمة على المظاهر الثقافية “الغربية” في حفلات الزفاف. يُمنع تشغيل الموسيقى الأجنبية، أو ارتداء الفساتين ذات الطابع الغربي، أو استخدام أدوات زينة تُصنَّف ضمن التأثيرات الرأسمالية. تُروج الدولة لمظاهر احتفال ترتكز على القيم القومية والهوية الاشتراكية، وتُفضل إقامة الحفلات بطريقة تُعزز التواضع والانتماء الوطني، حتى في المناسبات الخاصة.

دور المؤسسات الحكومية في دعم الزواج

في بعض الحالات، تقدم مؤسسات الدولة دعمًا رمزيًا للمتزوجين حديثًا، مثل منح إجازة زواج مدفوعة الأجر، أو توفير سكن مشترك محدود. هذا الدعم ليس مضمونًا، ويُمنح عادة للأفراد ذوي الأداء الممتاز في العمل أو في الجيش. كما تُنظم أحيانًا حفلات زفاف جماعية تُشرف عليها الدولة وتُبث على التلفزيون الرسمي كوسيلة للدعاية السياسية.

الطلاق في كوريا الشمالية

يُعتبر الطلاق أمرًا غير مُحبذ رسميًا، رغم أنه قانونيًا ممكن. يتطلب الطلاق تقديم طلب رسمي وتحقيقات لمعرفة الأسباب، كما تُحاول الدولة غالبًا التدخل للمصالحة. النساء هن الأكثر تضررًا من الطلاق، حيث يواجهن نظرة سلبية في المجتمع وصعوبات في الحصول على إعالة، لا سيما في حال وجود أطفال. في بعض الحالات، قد يُستخدم الطلاق كأداة عقابية أو سياسية، خصوصًا إذا تبيّن أن أحد الزوجين يُبدي سلوكًا معاديًا للدولة.

خاتمة

عادات الزواج في كوريا الشمالية لا تنفصل عن طبيعة النظام السياسي المسيطر، فهي تخضع لمراقبة دقيقة وتمتزج بين التقاليد والثوابت الأيديولوجية. الزواج هناك ليس مجرد علاقة شخصية، بل قرار مجتمعي تُوجهه الدولة في كل مراحله. من المثير ملاحظة كيف تحاول العائلات الحفاظ على بعض طقوسها الخاصة رغم سيطرة النظام، مما يكشف عن صراع مستمر بين الفرد والمؤسسة. وبينما تتغيّر ظروف الحياة تدريجيًا في كوريا الشمالية، يبقى الزواج مجالًا مركزيًا تُحاك فيه الخيوط بين الانتماء والسيطرة.