عدد المسلمين في إثيوبيا 

تُعد إثيوبيا واحدة من أقدم الدول في القارة الأفريقية من حيث التنوع الديني والثقافي، وهي تحتضن مزيجًا فريدًا من الأديان والتقاليد التي تطورت عبر قرون من التعايش والتفاعل بين مختلف الشعوب. الإسلام في إثيوبيا ليس طارئًا أو وافدًا جديدًا، بل هو جزء أصيل من النسيج التاريخي والحضاري للبلاد منذ البدايات الأولى لانتشاره. في هذا المقال، نُسلّط الضوء على عدد المسلمين في إثيوبيا، وتوزيعهم الجغرافي، وانتماءاتهم المذهبية، ودورهم المجتمعي، والتحديات التي يواجهونها، مع إطلالة على تاريخهم العريق داخل هذه الدولة التي شهدت أول هجرة إسلامية خارج مكة.

عدد المسلمين في إثيوبيا عام 2025

يُقدَّر عدد سكان إثيوبيا في عام 2025 بحوالي 135.5 مليون نسمة، وهو عدد يجعلها ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا بعد نيجيريا. المسلمون يشكلون نسبة تتراوح بين 31.3% و35.9% من مجموع السكان، أي ما بين 42.4 مليون و48.6 مليون نسمة تقريبًا. هذا التعداد الكبير يعكس الوزن الديمغرافي والثقافي الكبير للمسلمين داخل المجتمع الإثيوبي، كما يُتوقع أن تستمر هذه النسبة في النمو خلال السنوات القادمة نتيجة لارتفاع معدلات الولادة في الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة.

خريطة التوزيع الجغرافي للمسلمين

يتوزع المسلمون بشكل متفاوت بين الأقاليم الإثيوبية. ففي المناطق الشرقية والجنوبية، يشكل المسلمون الأغلبية، لا سيما في إقليمي الصومال (بنسبة تفوق 97%) وعفر (بنسبة تزيد عن 99%). كذلك نجد نسبة كبيرة منهم في إقليم أوروميا، حيث تسكن واحدة من أكبر الجماعات السكانية في البلاد. في المقابل، تقل نسبة المسلمين في الأقاليم الشمالية مثل أمهرة وتيغراي، حيث يغلب الطابع المسيحي على السكان، لكن لا يزال للمسلمين حضور بارز حتى في تلك المناطق.

التركيبة المذهبية للمسلمين في إثيوبيا

الإسلام في إثيوبيا يحمل طابعًا سُنيًا في الغالب، حيث يُشكّل أهل السنة ما يقارب 68% من المسلمين. كما توجد نسب متفاوتة من المسلمين غير المصنّفين مذهبيًا (حوالي 23%)، إضافة إلى أقلية من الشيعة والإباضيين، فضلًا عن وجود نشط للطرق الصوفية. هذا التنوع يعكس مرونة التقاليد الإسلامية في إثيوبيا وقدرتها على التكيف مع البُنى الاجتماعية والثقافية المحلية.

تاريخ الإسلام في إثيوبيا

يحمل الإسلام في إثيوبيا بعدًا تاريخيًا خاصًا، إذ كانت أراضيها أولى وجهات المسلمين خارج الجزيرة العربية. فقد هاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة (إثيوبيا الحالية) طلبًا للحماية من بطش قريش، واستقبلهم الملك النجاشي بحفاوة وضمن لهم الأمان. وتُعد هذه الواقعة من المحطات المؤثرة في تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية، حيث قامت على أساس التسامح والعدالة. كما أن بعض الآثار الإسلامية القديمة ما تزال قائمة في أجزاء من البلاد، مثل المساجد العتيقة في هرر، إحدى أقدم المدن الإسلامية في القارة.

اللغة والثقافة الإسلامية في المجتمع الإثيوبي

رغم تنوع اللغات في إثيوبيا، تلعب اللغة العربية دورًا مهمًا في أوساط المسلمين، خاصة في السياقات الدينية والتعليمية. يُدرّس القرآن الكريم في المدارس الإسلامية، ويُتداول الحديث النبوي والشريعة باللغة العربية إلى جانب اللغات المحلية. كما تسهم الثقافة الإسلامية في تشكيل جزء كبير من الفنون، والعادات الاجتماعية، والاحتفالات الدينية، مثل المولد النبوي وعيدي الفطر والأضحى.

دور المسلمين في المجتمع الإثيوبي

يشارك المسلمون بفعالية في جميع جوانب الحياة الإثيوبية، سواء في الاقتصاد أو التعليم أو السياسة. ففي المجال الاقتصادي، يبرز العديد من التجار المسلمين في الأسواق الكبرى، خاصة في العاصمة أديس أبابا ومدن الجنوب الشرقي. وعلى المستوى التعليمي، هناك مدارس ومعاهد إسلامية منتشرة، إضافة إلى الكليات التي تدرس الشريعة والعلوم الإسلامية. كما بدأت مشاركة المسلمين في الحياة السياسية تزداد خلال العقود الأخيرة، رغم بعض التحديات.

التحديات والصعوبات التي تواجه المسلمين

على الرغم من الاعتراف الرسمي بالإسلام ووجود وزارة تُعنى بالشؤون الدينية، إلا أن المسلمين في إثيوبيا يواجهون تحديات ملموسة، تتعلق بالتمثيل السياسي، وحصتهم في مؤسسات الدولة، وتوفير الدعم الكافي للتعليم الديني. كما تظهر بين الحين والآخر توترات دينية في بعض المناطق، مما يستدعي تدخل السلطات لضمان التوازن والاستقرار. إضافة إلى ذلك، توجد مطالب مستمرة بتحسين البنية التحتية للمساجد، وتوفير برامج تدريبية للأئمة والدعاة.

المنظمات الإسلامية ودورها في المجتمع

تقوم المنظمات الإسلامية المحلية بدور بارز في خدمة المجتمع، من خلال تقديم المساعدات الخيرية، ورعاية الأيتام، وإنشاء المدارس والمراكز الصحية. كما تُنظم العديد من الحملات التوعوية لنشر الوعي الديني والصحي، خاصة في المناطق الريفية. وتُعزز هذه المنظمات مفهوم التضامن الإسلامي والتكافل بين الفئات الاجتماعية.

الآفاق المستقبلية للمسلمين في إثيوبيا

من المتوقع أن يستمر دور المسلمين في إثيوبيا في التنامي، خاصة مع ازدياد الاهتمام بالتعليم والانخراط في العمل العام. ومع دعم أكبر من الدولة واحترام متبادل بين الأديان، يمكن أن يسهم المسلمون في دفع عجلة التنمية وتعزيز التعايش السلمي في البلاد. يبقى الأمل معقودًا على أجيال جديدة واعية بهويتها الدينية والوطنية، وقادرة على تحقيق التوازن بين الالتزام الديني والمواطنة الفاعلة.