يُعتبر العراق من الدول المحورية في العالم الإسلامي نظرًا لتاريخه العريق وموقعه الجغرافي، إضافة إلى التكوين الديموغرافي الذي يشكل فيه المسلمون الأغلبية الساحقة. يُعد فهم عدد المسلمين في العراق وتوزيعهم الطائفي والجغرافي أمرًا جوهريًا لفهم التركيبة السكانية والتوجهات السياسية والاجتماعية للبلاد. يعكس هذا الموضوع تشابكًا بين الدين والمجتمع والسياسة، حيث تُسهم الانتماءات الدينية في تشكيل الهوية العراقية العامة، فضلًا عن تأثيرها في مسار الأحداث الوطنية منذ تأسيس الدولة وحتى الوقت الحاضر.
أقسام المقال
عدد سكان العراق عام 2025 والتوزيع الديني العام
بلغ عدد سكان العراق في عام 2025 حوالي 47,020,774 نسمة وفقًا لأحدث التقديرات السكانية، مما يجعله من أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان. يُعد هذا النمو السكاني نتيجة طبيعية للتركيبة الديموغرافية الشابة، حيث يشكل الشباب أكثر من نصف السكان. المسلمون في العراق يشكلون ما بين 95% إلى 98% من إجمالي عدد السكان، ويُظهر هذا الرقم أن الدين الإسلامي هو المكوّن الأساسي في الهوية الجماعية للمجتمع العراقي. رغم هذا الانسجام الظاهري، إلا أن الداخل الديني متنوع بشكل كبير بين طوائف ومذاهب مختلفة.
الشيعة في العراق: الأغلبية العددية والتأثير الروحي
يشكل الشيعة في العراق النسبة الأكبر من المسلمين، حيث تُقدَّر نسبتهم بحوالي 61% إلى 64%. يتركزون جغرافيًا في وسط وجنوب البلاد، في محافظات مثل النجف وكربلاء والبصرة وذي قار. للشيعة ارتباط روحي عميق بتاريخ العراق الإسلامي، حيث تضم البلاد مراقد الأئمة الاثني عشر من آل بيت النبي محمد، مما يجعل العراق مركزًا دينيًا عالميًا للشيعة. وقد أثّر هذا الوجود في تشكيل هوية المدن الشيعية التي تحتضن آلاف الزائرين سنويًا، خاصة خلال المناسبات الدينية الكبرى مثل الأربعين وعاشوراء، والتي تُعد من أضخم التجمعات الدينية في العالم.
السنة في العراق: التوزيع الجغرافي والدور التاريخي
السنة يمثلون ما بين 29% إلى 34% من المسلمين في العراق، ويتمركزون في محافظات الأنبار، صلاح الدين، نينوى، وديالى. هم من أتباع المذهب الحنفي في الغالب، وقد كان لهم حضور تاريخي قوي في مؤسسات الدولة خلال العقود الماضية، لا سيما في ظل الحكومات المتعاقبة قبل عام 2003. بعد الاحتلال الأمريكي، واجه السنة تحديات متزايدة في التمثيل السياسي، إلا أنهم لا يزالون مكونًا أساسيًا في النسيج الوطني، ويسهمون بفعالية في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. كما أن مناطقهم شهدت تحولات كبيرة بعد ظهور تنظيم داعش، وما أعقبه من عمليات تحرير وإعادة إعمار.
الأقليات الدينية في العراق
رغم هيمنة الإسلام، فإن العراق لا يخلو من التنوع الديني. الأقليات الدينية مثل المسيحيين (حوالي 1%) والإيزيديين (1.25%) والمندائيين والبهائيين واليهود، جميعها تسهم في تشكيل الطابع التعددي للبلاد. معظم المسيحيين يتبعون الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ويعيشون في بغداد وسهل نينوى. الإيزيديون، وهم من أقدم الديانات في المنطقة، يتركزون في سنجار وقد تعرضوا لإبادة جماعية على يد داعش. أما المندائيون، فهم أقلية صغيرة تعيش على ضفاف الأنهار ويقدسون الماء الجاري. ورغم التحديات، تظل هذه الأقليات جزءًا أصيلاً من الهوية العراقية المتعددة.
تأثير التوزيع الديني على المشهد العراقي
يلعب التوزيع الديني دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسات والتحالفات داخل العراق. فالنظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية منذ عام 2003 أفرز تمثيلًا طائفيًا للسلطة، حيث تُقسم المناصب العليا بين الشيعة والسنة والأكراد. وقد أسهم ذلك في ترسيخ الهويات الطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. كما أن الخلافات الدينية كانت سببًا في اندلاع نزاعات دامية خلال العقدين الماضيين، لكن في المقابل توجد دعوات متصاعدة من قبل المجتمع المدني وقيادات دينية للاعتماد على الكفاءة والوطنية بدلاً من الانتماء الطائفي في إدارة الدولة.
العراق وتحديات التعايش الديني
التعددية الدينية في العراق لم تكن دائمًا مصدر توتر، بل كانت في كثير من الأحيان عامل إثراء ثقافي وتنوع حضاري. غير أن النزاعات المسلحة، خاصة بعد 2003، وظهور التنظيمات المتطرفة مثل داعش، ألقت بظلالها على مفهوم التعايش السلمي. ومع ذلك، فإن السنوات الأخيرة شهدت مبادرات دينية واجتماعية تهدف إلى تعزيز التسامح والمصالحة، منها وثيقة النجف التاريخية، وزيارات البابا فرنسيس للعراق عام 2021، والتي حملت رسائل وحدة وأمل. كما تعمل منظمات محلية ودولية على برامج تهدف لإعادة بناء الثقة بين المكونات الدينية المختلفة.
العوامل المؤثرة في التحولات الدينية
شهد العراق تحولات دينية ملحوظة في العقود الأخيرة بفعل عوامل مثل الهجرة القسرية، الحروب، الصراعات الداخلية، والتغيرات الديموغرافية. هاجر عدد كبير من المسيحيين والإيزيديين بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية، ما أثر في نسبة الأقليات ضمن التعداد العام. كما أن النزوح الداخلي غيّر من التوزيع الجغرافي للمسلمين السنة والشيعة على حد سواء. هذه التحولات تعني أن خريطة الانتماءات الدينية في العراق ليست ثابتة، بل متغيرة وفقًا للظروف السياسية والاقتصادية والأمنية.
خاتمة
في المجمل، يُمثل المسلمون الغالبية الساحقة من سكان العراق، ويتوزعون بين طوائف رئيسية لها امتدادات اجتماعية وتاريخية واسعة. هذا التنوع في داخل الأغلبية المسلمة، إلى جانب وجود أقليات دينية أصيلة، يمنح العراق مزيجًا دينيًا فريدًا في المنطقة. غير أن التحدي الأساسي يكمن في تحويل هذا التنوع إلى عنصر قوة يعزز الوحدة الوطنية، بدلًا من أن يكون أداة لتغذية الانقسامات. إن دعم قيم الحوار والاحترام المتبادل، إلى جانب تبني نظام سياسي عادل، هو الطريق نحو عراق أكثر استقرارًا وازدهارًا.