تُعد بوروندي من الدول الصغيرة في قلب إفريقيا، لكنها غنية بتنوعها الديني والثقافي. وفي ظل الغالبية المسيحية التي تُميز التكوين الديمغرافي للبلاد، يبقى المسلمون مكوّنًا مهمًا وأصيلًا من مكونات المجتمع البوروندي. وعلى الرغم من كونهم أقلية عددية، إلا أن أثرهم الديني والاقتصادي والاجتماعي بارز في عدة مجالات، مما يجعل دراسة أوضاعهم وعددهم وتاريخ وجودهم داخل البلاد أمرًا بالغ الأهمية لفهم النسيج البشري لبوروندي.
أقسام المقال
التعداد السكاني للمسلمين في بوروندي
يُقدَّر عدد سكان بوروندي في عام 2025 بنحو 14 مليون نسمة. وتتراوح نسبة المسلمين بين 2% و5% بحسب اختلاف المصادر، ما يعني أن عددهم يتراوح بين 280 ألفًا إلى 700 ألف نسمة. أما بعض التقديرات غير الرسمية فتضع الرقم في نطاق أعلى، متحدثة عن إمكانية بلوغه المليون، خاصةً مع وجود مهاجرين ومسلمين من دول الجوار مثل تنزانيا والكونغو ورواندا. هذا التفاوت في التقدير يعود إلى غياب الإحصاءات الدينية الدقيقة ضمن التعدادات الوطنية.
التوزيع الجغرافي للمسلمين في بوروندي
يتركز الوجود الإسلامي في المدن الكبرى، وبالأخص في العاصمة الاقتصادية بوجومبورا، حيث تنتشر المساجد والأسواق التي تديرها الأسر المسلمة. كما يوجد تواجد ملحوظ في مدينة غيتيغا، التي تُعد العاصمة السياسية حاليًا، وكذلك في بلدات مثل نجوزي وماكامبا. ويُلاحظ أن المسلمين يميلون للتمركز في المناطق ذات الطابع التجاري، إذ يرتبط كثير منهم بأنشطة اقتصادية مثل التجارة والصيرفة والمقاولات.
التاريخ الإسلامي في بوروندي
بدأ الحضور الإسلامي في بوروندي أواخر القرن التاسع عشر، حين وصلها التجار العرب والسواحليون من سواحل المحيط الهندي. ورغم أن الديانة المسيحية حظيت بالدعم الاستعماري من قبل القوى الألمانية والبلجيكية، فإن الإسلام شق طريقه عبر طرق التجارة والثقافة، وساهم في إدخال مفاهيم جديدة كالنظام الإداري والتوثيق بالعربية والسواحيلية. ومع مرور الوقت، تكونت مجتمعات مسلمة مستقرة حافظت على هويتها بالرغم من الضغط الديني والسياسي من القوى الغربية.
التركيبة الدينية والإثنية للمسلمين في بوروندي
ينتمي غالبية المسلمين في بوروندي إلى الطائفة السنية، ويتبعون المذهب الشافعي المنتشر في شرق إفريقيا. إلا أن هناك أقلية من الشيعة، وأتباع للطائفة الإسماعيلية، خاصةً من الجاليات التي قدمت من كينيا وأوغندا. من الناحية الإثنية، لا يشكل المسلمون جماعة عرقية موحدة، بل يتوزعون بين الهوتو والتوتسي، إضافة إلى الأقليات العربية والسواحيلية. وهذا التنوع ساهم في خلق تفاعل ثقافي ولغوي غني داخل المجتمعات الإسلامية البوروندية.
التحديات التي تواجه المسلمين في بوروندي
يواجه المسلمون في بوروندي عدة تحديات، أبرزها التهميش السياسي ونقص التمثيل في المناصب الحكومية ومجالس اتخاذ القرار. كما يعانون من ضعف الدعم المادي والتعليمي للمؤسسات الإسلامية، بما في ذلك قلة المدارس والمراكز الدينية. وهناك أيضًا صعوبات في تنظيم الشؤون الدينية داخليًا بسبب غياب هيئة موحدة تُنظم الفتاوى وتُشرف على الأوقاف والمساجد، ما يجعل المجتمعات المسلمة عرضة للتشتت وضعف التأثير في المجال العام.
دور المسلمين في المجتمع البوروندي
رغم كونهم أقلية، يضطلع المسلمون في بوروندي بدور فاعل في الاقتصاد المحلي، خاصةً في قطاعات التجارة والاستيراد. كما يعمل بعضهم في مجالات التعليم والصحة والوظائف الإدارية. ويُعرف المسلمون بالانضباط والتكافل المجتمعي، ما يجعلهم عناصر مؤثرة في بيئاتهم. كذلك، ساهمت المؤسسات الإسلامية في تقديم خدمات اجتماعية وإنسانية خلال الأزمات السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد.
آفاق المستقبل للمسلمين في بوروندي
تُبشّر المرحلة المقبلة بتحسين أوضاع المسلمين في بوروندي، خصوصًا مع زيادة وعي الجيل الجديد بحقوق المواطنة والانفتاح على وسائل التعليم الحديثة. ومن المتوقع أن يُسهم التعليم الإسلامي والتقني في خلق نخبة مسلمة قادرة على التأثير في مختلف المجالات. كما أن فرص الحوار بين الأديان بدأت تأخذ طابعًا مؤسسيًا، ما يُعزز من فرص التفاهم والتعايش. ولا شك أن تعزيز البنية التحتية الدينية والتعليمية، وتوفير الدعم للمبادرات المجتمعية، سيُسهم في تمكين المسلمين في بوروندي على المدى البعيد.
المسلمون والهوية الوطنية في بوروندي
أحد أهم المحاور التي بدأ المسلمون في بوروندي التركيز عليها هو تعزيز انتمائهم الوطني كجزء لا يتجزأ من الهوية البوروندية. فقد أصبحوا يرفعون شعارات الوحدة الوطنية والتسامح، ويشاركون في المناسبات القومية والدينية المشتركة. وتُعد مشاركتهم في الانتخابات والمؤسسات المدنية علامة على نضج وعيهم السياسي وتوجههم نحو مواطنة فعالة تحت مظلة التعدد والتعايش.