عدد المسلمين في جزر المالديف

جزر المالديف ليست مجرد أرخبيل ساحر يستهوي عشاق البحر والطبيعة، بل هي أيضًا نموذج فريد لدولة تتوحد دينيًا في محيط عالمي يتسم بالتنوع والتعدد. تُعرف هذه الدولة الواقعة في جنوب آسيا بكونها واحدة من الدول القليلة في العالم التي يتمتع سكانها بتجانس ديني شبه مطلق، إذ يُشكل المسلمون فيها الغالبية الساحقة، بل ويُعتبر الإسلام فيها شرطًا دستوريًا للمواطنة. في هذا المقال، نستعرض بدقة العدد الفعلي للمسلمين في جزر المالديف، ونُسلط الضوء على الأبعاد الدينية، والتاريخية، والثقافية لهذا الواقع الاستثنائي.

المالديف: دولة إسلامية بالكامل

تشير البيانات الرسمية الحديثة إلى أن عدد سكان جزر المالديف يبلغ حوالي 539,000 نسمة في عام 2025، وجميع المواطنين هم من المسلمين السنة. يُشترط على أي شخص يرغب في الحصول على الجنسية المالديفية أن يكون مسلمًا، وهو ما ينص عليه دستور البلاد بوضوح. وقد تم تأكيد هذا الشرط من خلال تعديلات دستورية في الأعوام الماضية، بما يعكس التوجه الصريح للدولة نحو الحفاظ على هويتها الإسلامية الموحدة.

لا يُسمح في جزر المالديف بممارسة أي شعائر دينية أخرى بشكل علني، كما تُمنع بناء دور عبادة غير إسلامية، وهو ما يُعزز من طابع الدولة المتفرد في التزامها الصارم بالدين الإسلامي. ويُعد هذا الموقف نتاجًا لمزيج من القيم الاجتماعية والدينية والسياسية التي تتشابك في نسيج الهوية المالديفية.

تأثير الإسلام على الحياة اليومية في المالديف

يتجلى الحضور الديني في تفاصيل الحياة اليومية للمالديفيين، بدءًا من التعليم الذي يتضمن دروسًا إلزامية في القرآن الكريم والسيرة النبوية، مرورًا بالقضاء الذي يعتمد في معظم أحكامه على الشريعة الإسلامية، وصولًا إلى المظاهر العامة التي تتقيد بقيم وتعاليم الدين. يُحتفل بالأعياد الإسلامية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى كأحداث وطنية، وتُغلق المؤسسات الرسمية أثناء أداء صلاة الجمعة احترامًا للشعائر.

كما أن الإذاعة والتلفزيون الوطنيين يخصصان أوقاتًا لبث البرامج الدينية، بينما تُقام مسابقات لحفظ القرآن الكريم على المستوى المحلي والوطني، ويُشارك فيها الصغار والكبار على حد سواء. وتعكس هذه الأنشطة مدى عمق الجذور الإسلامية في الثقافة الشعبية والحياة العامة.

الوجود الديني لغير المسلمين في المالديف

على الرغم من أن المواطنين المالديفيين هم مسلمون جميعًا، إلا أن هناك آلاف العمال الأجانب المقيمين من دول آسيوية مثل الهند وسريلانكا والنيبال، وبعضهم يعتنق ديانات غير الإسلام مثل الهندوسية والبوذية والمسيحية. ومع ذلك، تُقيد الدولة ممارسة أي شعائر دينية غير إسلامية في الأماكن العامة أو الجماعية، وتُعتبر أي محاولة للتبشير أو نشر ديانة أخرى جريمة يعاقب عليها القانون.

ورغم أن الحرية الدينية مكفولة نظريًا للأجانب في إطارهم الخاص، فإن الحضور الرمزي للإسلام يبقى الغالب، ولا يُسمح ببناء معابد أو كنائس. وهذا التوازن بين احترام القادمين وبين حماية الهوية الإسلامية يُعد من السمات اللافتة للسياسة الدينية في المالديف.

التاريخ الديني للمالديف وتحولها إلى الإسلام

كانت جزر المالديف تدين بالبوذية قبل أن تعتنق الإسلام في عام 1153 ميلاديًا، حين قرر الملك دوفيمي التخلّي عن ديانته القديمة والدخول في الإسلام بعد لقاء مزعوم مع عالم مسلم يُدعى أبو البركات البربري. وقد أخذ الملك حينها اسم “السلطان محمد بن عبد الله”، وأعلن الإسلام ديانة رسمية للدولة، وهو ما تبعه اعتناق السكان كافة للدين الجديد.

منذ ذلك التاريخ، أصبحت المالديف مملكة إسلامية تُدار وفقًا لتعاليم الدين، واستمر ذلك حتى القرن العشرين حين تحولت إلى جمهورية، لكن الطابع الإسلامي بقي محفوظًا ومتجذرًا. وتشهد الوثائق التاريخية على مدى ارتباط سكان هذه الجزر بالإسلام وحرصهم على نقله من جيل إلى آخر دون انقطاع.

المالديف في السياق الإسلامي العالمي

رغم صغر حجمها الجغرافي والديمغرافي، إلا أن المالديف تلعب دورًا ملحوظًا في المحافل الإسلامية الدولية. فهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي، وتشارك في القمم والمؤتمرات التي تُعقد بين الدول الإسلامية. كما أن صوتها في تلك المنتديات غالبًا ما يكون داعمًا للقضايا الإسلامية، خصوصًا ما يتعلق بفلسطين، وحقوق المسلمين حول العالم.

بالإضافة إلى ذلك، تستقبل المالديف بعثات دعوية ومساعدات تعليمية من عدد من الدول الإسلامية مثل السعودية وتركيا وقطر، بهدف دعم المؤسسات الدينية والمدارس الشرعية فيها. وتُعد هذه العلاقات عاملًا إضافيًا في تأكيد الهوية الإسلامية المتماسكة للدولة.

التعليم الديني في المالديف

يحتل التعليم الديني مكانة مرموقة في النظام التعليمي الرسمي وغير الرسمي في المالديف. فإلى جانب المواد العلمية والأكاديمية، تُدرّس المواد الإسلامية في المدارس الحكومية، وتشمل الفقه والعقيدة والسيرة والقرآن. وتُشرف وزارة الشؤون الإسلامية على تدريب الأئمة والمعلمين الدينيين، كما تُدير المعاهد الشرعية التي تُخرج أجيالًا متعلمة دينيًا ومؤهلة للقيادة المجتمعية.

ولا يقتصر التعليم الديني على المدارس، بل يشمل حلقات المساجد، والمسابقات الرمضانية، والدورات الصيفية للأطفال، وهو ما يُبقي الوعي الديني حيًا ومتجددًا في نفوس الشباب والناشئة.

الخلاصة

تُقدم جزر المالديف مثالًا فريدًا لدولة يتوحد فيها السكان تحت راية الدين الإسلامي، ليس فقط على المستوى الدستوري، بل في الوجدان والثقافة اليومية. المسلمون يشكلون 100% من المواطنين، والإسلام ليس فقط دينًا رسميًا، بل هو العمود الفقري الذي تستند إليه الدولة في قوانينها، وتعليمها، وثقافتها. ويظل هذا الانسجام الديني عنصرًا أساسيًا في استقرار المجتمع، رغم التحديات العالمية التي تُواجه الهوية الدينية للدول الصغيرة.