عدد المسلمين في سوريا

تُعد سوريا واحدة من أبرز الدول ذات الأغلبية المسلمة في العالم العربي، ويُشكل المسلمون الركيزة الأساسية للمجتمع السوري منذ قرون طويلة. ومع أن الدستور السوري ينص على حرية الأديان، إلا أن الطابع الإسلامي يطغى على الهوية الديموغرافية والثقافية لسكان البلاد. ومع تعاقب الأحداث السياسية والاجتماعية، وخاصة بعد الحرب التي اندلعت عام 2011، تغيرت التوزيعات السكانية وتبدلت النسب في بعض المناطق، ما جعل من الضروري تقديم صورة دقيقة وحديثة عن عدد المسلمين في سوريا اليوم، وتفصيل التوزيع الطائفي والجغرافي لهم.

التركيبة السكانية للمسلمين في سوريا

يبلغ عدد سكان سوريا حاليًا ما يُقارب 25.25 مليون نسمة داخل البلاد، وفقًا لتقديرات عام 2025، فيما يعيش قرابة 6 ملايين لاجئ سوري خارجها. ويُشكل المسلمون ما نسبته 87% من مجموع السكان، أي ما يعادل تقريبًا 21.96 مليون مسلم داخل سوريا. وتنقسم هذه النسبة إلى طوائف متعددة، أبرزها المسلمون السنة الذين يمثلون حوالي 74% من إجمالي السكان (نحو 18.7 مليون نسمة).

أما الطوائف الشيعية فتضم العلويين بنسبة تقارب 10% (حوالي 2.5 مليون نسمة)، والإسماعيليين والاثني عشرية بنسبة 3% تقريبًا (750 ألف نسمة). وتُظهر هذه الأرقام أن سوريا تتميز بتنوع إسلامي واسع النطاق، مع وجود رمزي للمسيحيين والدروز وأقليات دينية أخرى.

تأثير الحرب على التركيبة الديموغرافية

أدت الحرب السورية إلى تغييرات جذرية في التوزيع السكاني والديني في البلاد. فقد هاجر ملايين السوريين من مناطقهم الأصلية بسبب النزاعات المسلحة، لا سيما من المناطق ذات الأغلبية السنية مثل الغوطة الشرقية وحلب وإدلب والرقة. وتُشير التقديرات إلى أن حوالي 7 ملايين سوري نزحوا داخليًا، فيما لجأ 6 ملايين إلى دول مثل تركيا ولبنان والأردن وأوروبا.

أثرت هذه التغيرات على كثافة المسلمين السنة في بعض المحافظات، بينما زادت نسبيًا نسبة العلويين في مناطق الساحل، بعد أن شهدت استقرارًا نسبيًا مقارنة بباقي المناطق. كما ساهم النزوح والتهجير في إعادة رسم الخريطة الديموغرافية بشكل عميق، وهو أمر سيحتاج لسنوات من الترميم الاجتماعي والسياسي.

التوزيع الجغرافي للمسلمين في سوريا

يعيش المسلمون السنة في جميع أنحاء البلاد، لكنهم يشكلون الأغلبية في محافظات مثل إدلب، حلب، دمشق، درعا، دير الزور، والرقة. في المقابل، يتمركز العلويون في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وبعض القرى في حمص وحماة، ويعتبر الساحل السوري مركزًا رئيسيًا للطائفة العلوية.

أما الإسماعيليون، فيتركزون في مدينة السلمية شرق محافظة حماة، فيما يتواجد الشيعة الاثني عشرية في بعض أحياء دمشق مثل حي الأمين، إلى جانب وجود متواضع في حمص وبعض مناطق الجنوب. هذه الخريطة المتنوعة تعكس التداخل الطائفي والديني، لكنها أيضًا تُظهر الحاجة لسياسات احتواء وتوازن لضمان السلم المجتمعي.

التراث الديني والرمزي للمسلمين في سوريا

تحمل سوريا إرثًا إسلاميًا هائلًا، حيث تضم مئات المساجد والمزارات الإسلامية التي تعود لعصور مختلفة، أبرزها الجامع الأموي في دمشق، أحد أقدم المساجد في العالم، وقبر صلاح الدين الأيوبي، والمواقع الدينية في حلب وحمص وحماة. هذا الإرث يُعد رمزًا لوحدة المسلمين وتاريخهم المشترك في البلاد.

كما تضم سوريا مقامات يُقدسها الشيعة مثل مقام السيدة زينب ومقام السيدة رقية في دمشق، وهي أماكن حج ديني رئيسية للطائفة الشيعية في المنطقة. هذا التنوع في التراث الديني يعكس التعدد الذي يشهده المجتمع السوري، رغم الصراعات السياسية والطائفية.

التحديات التي تواجه المسلمين في سوريا

رغم الغالبية العددية للمسلمين، إلا أنهم يعانون من تحديات مشتركة ناتجة عن تداعيات الحرب المستمرة، من أهمها فقدان الأمن، وانهيار الخدمات، والبطالة، وتفشي الفقر، وتدهور التعليم. وتُعد المناطق ذات الأغلبية السنية من بين أكثر المناطق التي تعرضت للتدمير، مثل أحياء حلب الشرقية والغوطة ودرعا.

كما تواجه الطوائف الأخرى تحديات خاصة، تتعلق بإثبات وجودها والحفاظ على مؤسساتها الدينية والثقافية في ظل الواقع السياسي والاجتماعي الهش. ويظل مستقبل التعايش مرهونًا بجهود الإصلاح والمصالحة الوطنية على مستوى الدولة.

آفاق المستقبل للمسلمين في سوريا

مع بداية تعافي بعض المناطق وعودة تدريجية لبعض السكان، يبرز أمل ببناء مجتمع سوري متماسك يتجاوز الانقسامات الطائفية. يحتاج المسلمون في سوريا إلى إعادة بناء مؤسساتهم الدينية والتعليمية والاجتماعية، وتعزيز الحوار بين الطوائف، وإرساء قواعد للعدالة الانتقالية والمساءلة.

كما يجب أن يكون للدولة دور فاعل في تحقيق المساواة في الحقوق والخدمات بين مختلف المكونات، بما يضمن تعزيز الانتماء الوطني على حساب الولاءات الطائفية الضيقة. ولا شك أن إعادة الاستقرار إلى سوريا لا يمكن أن تتم دون مشاركة حقيقية من جميع مكوناتها الدينية.