عدد سكان الصين

تُعدّ الصين واحدة من الدول الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم، ليس فقط من حيث الاقتصاد والقوة العسكرية، بل أيضًا من حيث الكثافة السكانية التي تشكل عنصرًا محوريًا في تركيبتها الوطنية. عبر تاريخها الطويل، تطور عدد سكان الصين بشكل دراماتيكي نتيجة لتغيرات اقتصادية وسياسية وثقافية متتابعة. واليوم، تُعدّ دراسة عدد سكان الصين وتركيبتهم ومشكلاتهم السكانية من المواضيع الحيوية التي تُلقي بظلالها على مستقبل البلاد. سنتناول في هذا المقال نظرة شاملة إلى الواقع السكاني في الصين، مع تحليل للتركيبة والتحديات والسياسات ذات الصلة.

عدد سكان الصين

حتى منتصف عام 2025، تشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد سكان الصين يبلغ حوالي 1.416 مليار نسمة، ما يجعلها ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعد الهند التي تجاوزتها مؤخرًا بفارق بسيط. لكن بالرغم من الكثافة السكانية الهائلة، تواجه الصين اليوم تحديات غير مسبوقة على صعيد النمو السكاني، إذ يُسجّل معدل الخصوبة أدنى مستوياته على الإطلاق عند 1.2 طفل لكل امرأة. وهذا يعني أن عدد السكان في الصين بدأ في التراجع، وهي ظاهرة جديدة في تاريخ الدولة. كما أن هذا التراجع يأتي مصحوبًا بارتفاع كبير في معدلات الشيخوخة، ما يُهدد التوازن السكاني في العقود القادمة.

التركيبة السكانية في الصين

تضم الصين مجموعة واسعة من الأعراق، حيث يمثل عرق الهان ما يقارب 91.1% من إجمالي السكان، في حين تتوزع النسبة المتبقية على 55 أقلية عرقية معترف بها رسميًا مثل الأويغور والتبتيين والمياو. تتميز هذه الأقليات بعاداتها وتقاليدها الخاصة، وقد أقرت الحكومة الصينية بعض الامتيازات لهم في مجالات التعليم والوظائف والإنجاب. من جهة أخرى، يشهد المجتمع الصيني تحولًا في نمط التوزيع الجغرافي للسكان، حيث أن نسبة كبيرة من المواطنين باتت تعيش في المدن الكبرى التي تشهد توسعًا عمرانيًا غير مسبوق.

معدل النمو السكاني والتحديات المستقبلية

رغم العدد الكبير لسكان الصين، فإن النمو السكاني يعاني من حالة تراجع ملحوظة، وذلك بسبب انخفاض معدلات الولادة منذ بداية العقد الأخير. وقد أدى ذلك إلى انكماش القوى العاملة، خاصة في قطاعات التصنيع والزراعة. يُتوقع أن يبلغ عدد من تزيد أعمارهم عن 60 عامًا أكثر من 400 مليون بحلول عام 2035، وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على أنظمة التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية. كما أن هناك فجوة كبيرة بين الجنسين، حيث يلاحظ وجود اختلال واضح في نسبة الذكور إلى الإناث، وهي إحدى تبعات سياسة الطفل الواحد التي استمرت لعقود.

السياسات الحكومية لمواجهة التحديات السكانية

للتعامل مع هذه التحديات، تبنت الحكومة الصينية حزمة من السياسات التي تهدف إلى تحفيز الإنجاب وتخفيف آثار الشيخوخة. فقد تم إلغاء سياسة الطفل الواحد رسميًا في عام 2015، ثم سُمح بإنجاب طفلين، ومن ثم ثلاثة أطفال بدءًا من عام 2021. كما أطلقت الدولة مبادرات لتقديم إعانات مالية للأسر، وتوفير حضانات بأسعار رمزية، وتحسين برامج الأمومة. ومع ذلك، لم تُحقق هذه المبادرات النتائج المرجوة حتى الآن، إذ لا يزال الشباب الصيني مترددًا في تكوين أسر بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

التحضر وتأثيره على السكان

تشهد الصين موجة واسعة من التحضر منذ الثمانينيات، إذ انتقل ملايين الأشخاص من الأرياف إلى المدن الكبرى، بحثًا عن فرص اقتصادية وتعليمية أفضل. أدى هذا إلى ارتفاع نسبة سكان المدن إلى أكثر من 67.5% من إجمالي السكان في 2025. هذا التغيير أوجد بيئة حضرية نشطة، لكنه في المقابل ساهم في ارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة الحصول على السكن، وتفاوت الفرص بين الفئات الاجتماعية. كما أثّر التحضر سلبًا على معدلات الزواج والإنجاب، حيث يفضل كثير من الشباب الحياة الفردية أو تأجيل الزواج.

الشيخوخة وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع

تُعدّ الشيخوخة السكانية في الصين من أسرع المعدلات نموًا في العالم. ومع ازدياد عدد كبار السن، باتت الحكومة الصينية مضطرة لتعزيز البنية التحتية الصحية والاجتماعية لتلبية احتياجات هذه الفئة المتزايدة. وقد أُطلقت برامج متعددة للتأمين الصحي المجاني للمسنين، وتحفيز الشركات على توظيف كبار السن القادرين على العمل. غير أن المشكلة تكمن في التباطؤ المتزامن في عدد الشباب، مما يفرض تحديات اقتصادية كبيرة على البلاد في المستقبل القريب، ويدفع نحو تسريع الأتمتة والابتكار التكنولوجي لتعويض نقص اليد العاملة.

الختام

إن تعداد سكان الصين يمثل نقطة ارتكاز هائلة في صياغة السياسات المستقبلية للدولة. ورغم أن الكثافة السكانية وفّرت للصين قوة اقتصادية واجتماعية لفترة طويلة، إلا أن التحديات المرتبطة بتراجع الخصوبة والشيخوخة والتحضر تتطلب إعادة نظر شاملة في أساليب التعامل مع السكان. يبقى نجاح الصين في مواجهة هذه المشكلات مرهونًا بقدرتها على التكيف بسرعة، وتطبيق حلول مبتكرة تجمع بين الدعم الحكومي والتخطيط السكاني المستقبلي.