عدد سكان جنوب السودان 

جنوب السودان دولة فتية ولدت من رحم الصراع، لكنها ما زالت تسعى إلى بناء مستقبل ديموغرافي واقتصادي مستقر. منذ استقلالها عن السودان في يوليو 2011، أصبحت الساحة السكانية في جنوب السودان موضع اهتمام عالمي، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي أثّرت بشكل مباشر على التركيبة السكانية ونموها. واليوم، تمثل التركيبة السكانية عاملاً حاسمًا في التخطيط لمستقبل الدولة، حيث يرتبط عدد السكان وتوزيعهم الجغرافي بالسياسات التنموية، وتوزيع الموارد، والاستجابة للأزمات. وتكشف الأرقام الحديثة عن تطورات متسارعة، تفرض على الجهات المحلية والدولية التفاعل معها بمرونة وعمق.

عدد السكان الحالي حتى عام 2025

بحسب أحدث التقديرات السكانية حتى شهر مايو 2025، يبلغ عدد سكان جنوب السودان حوالي 12,188,788 نسمة. ويعادل هذا الرقم ما يقارب 0.15% من إجمالي سكان العالم، مما يجعل الدولة تحتل المرتبة 81 عالميًا من حيث عدد السكان. هذا العدد لا يعكس فقط النمو الطبيعي، بل يتأثر أيضًا بعوامل مثل الهجرة الداخلية، والنزوح، والعودة الطوعية للاجئين. ومن اللافت أن النمو السكاني يسير بوتيرة مستقرة رغم التحديات التي تمر بها البلاد، خاصة في ظل تحسن نسبي في بعض المؤشرات الصحية والتعليمية في السنوات الأخيرة.

الخصائص الديموغرافية العامة

يتميز المجتمع في جنوب السودان بتركيبة ديموغرافية شابة إلى حد كبير. فمتوسط عمر السكان يبلغ حوالي 18.7 عامًا، ما يعكس مجتمعًا يعتمد بشدة على الفئات العمرية الشابة. وتشكل الفئة التي تقل أعمارها عن 15 عامًا ما نسبته 37.99%، بينما تمثل الفئة العاملة من 15 إلى 64 عامًا نحو 58.94%. هذه الفئات، إذا تم استثمارها بشكل سليم، يمكن أن تشكل قاعدة اقتصادية قوية في المستقبل.

الكثافة السكانية والتوزيع الإقليمي

تبلغ الكثافة السكانية في جنوب السودان نحو 20 شخصًا لكل كيلومتر مربع، ما يُظهر تركز السكان في مناطق محددة ووجود مساحات واسعة غير مأهولة بشكل فعلي. وتُعدّ العاصمة جوبا، وولايات مثل الاستوائية الوسطى وولاية أعالي النيل من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان. أما المناطق الحدودية مع السودان، فتعاني من انخفاض سكاني واضح نتيجة النزاعات المسلحة السابقة ونقص الخدمات.

الحياة الحضرية مقابل الحياة الريفية

حو 72.3% من السكان يعيشون في مناطق ريفية تعتمد على الزراعة والرعي، بينما تستضيف المناطق الحضرية نسبة 27.7% فقط. تُظهر هذه الفجوة الحاجة إلى إعادة هيكلة السياسات التنموية لتشمل الأرياف، حيث يعاني السكان هناك من نقص في المرافق الصحية والتعليمية، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية. التحول نحو التمدن يسير ببطء، لكنه يظهر بوادر في مدن مثل واو وملكال وبنتيو.

معدلات الخصوبة والوفيات

رغم انخفاضها عن السنوات الماضية، لا تزال معدلات الخصوبة في جنوب السودان مرتفعة نسبيًا، حيث يبلغ معدل الولادات 3.7 مولود لكل امرأة. في المقابل، تستمر معدلات الوفيات بالارتفاع، إذ يسجل معدل وفيات الرضع نحو 62.7 لكل ألف مولود حي، ومعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة نحو 97.4 حالة لكل ألف. وترتبط هذه المعدلات بعوامل مثل نقص الرعاية الصحية، وسوء التغذية، وعدم توفر مياه نظيفة في عدة مناطق.

الهجرة الداخلية والنزوح

شهدت البلاد موجات متعددة من النزوح الداخلي بسبب النزاعات المسلحة، خاصة في الفترة بين 2013 و2018. وحتى عام 2025، لا تزال تقديرات صافي الهجرة تشير إلى خروج ما يقارب 455,000 شخص من البلاد، إضافة إلى وجود أكثر من مليوني نازح داخلي. وتعمل المنظمات الدولية بالتنسيق مع الحكومة على إعادة دمج هؤلاء النازحين وتوفير مساكن وخدمات أساسية لهم.

اللاجئون والعائدون

جنوب السودان من الدول التي تشهد أيضًا عودة متزايدة للاجئين من دول الجوار مثل أوغندا، كينيا، السودان وإثيوبيا. ومع تحسن الوضع الأمني في بعض الولايات، عاد الآلاف من اللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، الأمر الذي يُعيد تشكيل الخريطة السكانية المحلية ويزيد الضغط على الموارد والخدمات.

التحولات الدينية والعرقية وتأثيرها السكاني

المجتمع في جنوب السودان متعدد الأعراق والانتماءات الدينية، مما يُضيف بعدًا ديموغرافيًا مركبًا. تُعدّ قبائل الدينكا والنوير من أكبر الجماعات، بينما تنتشر مجموعات أخرى مثل الشلك والزاندى في مناطق متفرقة. ويؤثر هذا التنوع في آليات التوزيع السكاني، حيث ترتبط بعض القبائل بمناطق محددة، مما قد يولد توترات أو تنافسًا على الموارد.

المستقبل السكاني وفرص التنمية

رغم التحديات المتعددة، فإن التركيبة السكانية الشابة لجنوب السودان تمثل فرصة فريدة لدفع عجلة التنمية. إذا تم الاستثمار في التعليم والصحة وبناء القدرات، يمكن أن تتحول هذه القوة الديموغرافية إلى محرك للنمو الاقتصادي والاجتماعي. كما أن دمج العائدين والنازحين في الخطط التنموية سيكون عنصرًا حاسمًا لتحقيق الاستقرار المجتمعي.