عدد سكان جيبوتي

تُعد جمهورية جيبوتي من الدول الصغيرة نسبيًا في شرق إفريقيا من حيث المساحة وعدد السكان، لكنها تتمتع بموقع استراتيجي بالغ الأهمية عند مفترق طرق بحرية وتجارية عالمية. وبينما يتطور الاقتصاد الجيبوتي ويزدهر تدريجيًا نتيجة الاستثمارات الأجنبية المتزايدة في موانئها وخدماتها اللوجستية، فإن التحولات الديموغرافية تلعب دورًا محوريًا في تشكيل المستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد. يشكّل عدد السكان نقطة انطلاق ضرورية لفهم التحديات والفرص التي تواجه هذا البلد الصغير جغرافيًا والكبير بقيمته الاستراتيجية. ويعكس التغير السكاني المستمر، إلى جانب التوزيع الجغرافي والنمو الحضري المتسارع، الكثير عن ملامح التحوّل داخل جيبوتي.

عدد السكان الحالي في جيبوتي لعام 2025

بحسب أحدث التقديرات السكانية حتى شهر مايو 2025، بلغ عدد سكان جيبوتي حوالي 1,184,076 نسمة. هذا الرقم يُظهر زيادة متواصلة في أعداد السكان مقارنة بالعقود السابقة، على الرغم من أن جيبوتي لا تزال تُعتبر من الدول الأقل سكانًا على مستوى القارة الإفريقية. وتُشكل هذه الزيادة نتيجة تفاعل عدة عوامل، منها معدلات الولادة التي لا تزال في مستويات مرتفعة نسبيًا، إلى جانب تراجع نسبي في معدلات الوفيات، وتدفقات المهاجرين والمقيمين الأجانب.

النمو الديموغرافي والتغيرات السكانية

تُسجِّل جيبوتي معدل نمو سكاني يقارب 1.31% سنويًا، مما يعادل زيادة سنوية بحوالي 15,000 إلى 16,000 نسمة. هذا النمو يعتبر معتدلاً مقارنة بدول الجوار مثل الصومال أو إثيوبيا، لكنه يضع ضغوطًا متزايدة على البنية التحتية والخدمات الأساسية، خصوصًا في العاصمة والمناطق الحضرية. ومع الانخفاض في صافي الهجرة إلى سالب 581 شخصًا، يبدو أن حركة السكان الخارجية لا تزال تؤثر بشكل طفيف على التوازن السكاني.

التركيبة السكانية: الجنس والفئات العمرية

تتميّز التركيبة السكانية في جيبوتي بتوازن نسبي بين الذكور والإناث، إذ يبلغ عدد الذكور حوالي 587 ألفًا مقابل 597 ألفًا من الإناث. أما على صعيد الفئات العمرية، فإن النسبة الأكبر من السكان تنتمي إلى الفئة الشابة، حيث يُقدَّر أن 28.8% من السكان تحت سن الخامسة عشرة، في حين يشكّل من هم في سن العمل (15-64 سنة) حوالي 66.2% من إجمالي السكان، بينما لا تتجاوز نسبة كبار السن (فوق 65 عامًا) 5%. هذه التركيبة تمنح البلاد فرصة ديموغرافية يمكن استثمارها إذا ما تم تحسين جودة التعليم والتوظيف.

الكثافة السكانية وتوزيع السكان

بمساحة تبلغ 23,180 كيلومتر مربع، تُسجل جيبوتي كثافة سكانية متوسطة تصل إلى 51 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد. ومع ذلك، فإن التوزيع الفعلي للسكان غير متجانس، إذ تتركز الكثافة في العاصمة جيبوتي التي تؤوي أكثر من نصف السكان، بينما تبقى المناطق النائية والصحراوية قليلة الكثافة بل وأحيانًا خالية تمامًا من السكان. هذا التركز في المدن أدى إلى تحديات حضرية مثل الاكتظاظ، وارتفاع تكاليف المعيشة، ونقص الخدمات في بعض الأحياء.

معدلات الخصوبة والمواليد

يشير معدل الخصوبة في جيبوتي إلى متوسط 2.6 طفل لكل امرأة، وهو معدل مرتفع نسبيًا مقارنة بالمعدل العالمي المطلوب لاستبدال الأجيال (2.1). هذا المعدل يُبقي جيبوتي في حالة نمو ديموغرافي مستمر، إلا أنه يفرض تحديات على الموارد المتاحة، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف.

الهوية العرقية والتنوع الثقافي

يعيش في جيبوتي خليط من الأعراق والثقافات، أبرزهم الصوماليون الذين يشكلون قرابة 60% من السكان، يليهم العفر بنسبة 35%. وتضم البلاد أقليات من العرب والأوروبيين والآسيويين، خاصة من المهاجرين. يتحدث السكان عدة لغات، أبرزها العربية والفرنسية كلغتين رسميتين، إلى جانب الصومالية والعفرية كلغات محلية. هذا التنوع يُثري الثقافة الوطنية، لكنه يتطلب إدارة حكيمة للتمازج الثقافي والتنوع اللغوي.

الهجرة واللجوء: وجهة مؤقتة في أوقات الأزمات

نظرًا لموقعها الجغرافي، تُعدّ جيبوتي محطة عبور لمهاجرين من الصومال، إثيوبيا، واليمن. تستضيف البلاد آلاف اللاجئين، وتُستخدم كممر رئيسي للهجرة غير النظامية إلى دول الخليج. هذه الظاهرة تُلقي بظلالها على الوضع السكاني، إذ أن جزءًا من السكان يُعدُّ من غير المواطنين، ما يُربك الإحصاءات السكانية الدقيقة ويشكّل تحديًا أمام التخطيط التنموي.

التحضر والتوسع العمراني

ما يقرب من 71% من سكان جيبوتي يعيشون في المناطق الحضرية، وهو ما يعكس تحوّلًا سريعًا من الأنماط الريفية إلى الحضرية. ويُعزى ذلك إلى تركز الوظائف والخدمات في العاصمة والموانئ، مما يدفع السكان نحو التجمعات الحضرية. هذا التوسع الحضري يُحتِّم على الحكومة استراتيجيات طويلة الأمد لضمان الإسكان والنقل والبنية التحتية اللازمة.

التحديات المستقبلية والفرص التنموية

رغم التحديات الديموغرافية مثل الفقر، والبطالة، والضغط على الخدمات الأساسية، إلا أن جيبوتي تمتلك فرصًا كبيرة بفضل موقعها الجغرافي الفريد، وسكانها الشباب، والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية. ومع سياسات سكانية متوازنة واستثمارات في التعليم والصحة، يمكن لجيبوتي أن تحوّل التحديات السكانية إلى فرص حقيقية للنمو والتقدم.