عدد سكان روسيا

تُعد روسيا من أكثر الدول تأثيرًا على الساحة الدولية، ليس فقط بسبب مساحتها الجغرافية الهائلة، بل أيضًا بسبب موقعها السياسي، الاقتصادي، والعسكري الفاعل في النظام العالمي. ومع هذا الحضور الدولي، تُثير التغيرات الديموغرافية في روسيا اهتمامًا متزايدًا، سواء داخل البلاد أو خارجها، خاصةً في ظل تحديات مثل انخفاض الخصوبة وارتفاع معدلات الهجرة. تتناول هذه المقالة عدد سكان روسيا وتوزيعهم، وتحلل البنية العمرية والاتجاهات المستقبلية، مع استعراض السياسات التي تتبعها الدولة لمعالجة هذه القضايا.

عدد السكان في روسيا

اعتبارًا من يونيو 2025، يُقدَّر عدد سكان روسيا بنحو 144 مليون نسمة. هذا الرقم يعكس انخفاضًا طفيفًا مقارنة بالسنوات السابقة، حيث كان عدد السكان عام 2020 حوالي 146 مليون نسمة. ويُعزى هذا الانخفاض إلى مجموعة من العوامل، أبرزها انخفاض معدلات المواليد، وارتفاع معدلات الوفيات، وهجرة الكفاءات إلى الخارج. على الرغم من محاولات الحكومة الروسية لإبطاء هذا الانخفاض من خلال سياسات دعم الأسرة، لا تزال البلاد تواجه صعوبة في عكس هذا الاتجاه.

التوزيع الجغرافي للسكان في روسيا

تتميز روسيا بتفاوت كبير في توزيع السكان على أراضيها. فبينما تنتشر المدن الكبرى في الجزء الأوروبي من روسيا مثل موسكو وسانت بطرسبرغ ويكاتيرينبورغ، فإن الأقاليم الشرقية مثل سيبيريا والشرق الأقصى الروسي تعاني من كثافة سكانية منخفضة للغاية. يعود هذا التباين إلى العوامل المناخية القاسية، وبعد المسافات، وقلة البنية التحتية في تلك المناطق النائية. وتشهد المدن الأوروبية الرئيسية في روسيا تركزًا سكانيًا كبيرًا نتيجة توفر فرص العمل والتعليم والخدمات الصحية.

التركيبة العمرية والتحديات الديموغرافية

أحد أبرز التحديات السكانية في روسيا يتمثل في ارتفاع نسبة كبار السن، نتيجة لانخفاض معدلات الخصوبة وزيادة متوسط العمر المتوقع. حاليًا، يبلغ متوسط عمر الفرد في روسيا حوالي 73 عامًا، ويُلاحظ تزايد مستمر في عدد السكان فوق سن 60 عامًا، وهو ما يشكل عبئًا متزايدًا على نظام الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. كما أن انخفاض نسبة الشباب في المجتمع يُعد مؤشراً مقلقاً على المدى الطويل من حيث الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

الهجرة وتأثيرها على السكان

الهجرة عنصر رئيسي في التغيرات الديموغرافية الروسية. في السنوات الأخيرة، واجهت روسيا موجات هجرة متباينة؛ فمن جهة، شهدت البلاد هجرة خارجية للكفاءات والمواطنين الشباب إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، ومن جهة أخرى، استقبلت مهاجرين من جمهوريات آسيا الوسطى مثل طاجيكستان وأوزبكستان. وعلى الرغم من أن هذه الهجرات تعوض جزئيًا نقص السكان، إلا أن الاختلافات الثقافية واللغوية تخلق تحديات في مسألة الاندماج.

السياسات الحكومية لمواجهة التحديات السكانية

تبذل الحكومة الروسية جهودًا كبيرة لمواجهة التراجع السكاني، من خلال تقديم حوافز مالية للأسر وتشجيع الإنجاب. تشمل هذه السياسات برامج مثل منحة الأمومة، والإعفاءات الضريبية للعائلات التي لديها أكثر من طفل، بالإضافة إلى دعم السكن والرعاية الصحية المجانية للأطفال. كما تم الترويج لفكرة العودة الطوعية للمواطنين الروس المقيمين في الخارج. ومع ذلك، فإن نتائج هذه السياسات لا تزال محدودة، ما يستدعي تدخلات أكثر شمولاً على المدى الطويل.

أثر العوامل الاقتصادية والسياسية على النمو السكاني

لا يمكن فصل النمو السكاني في روسيا عن السياقات الاقتصادية والسياسية. فالأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بما في ذلك تأثير العقوبات الغربية وتراجع أسعار الطاقة، تلعب دورًا سلبيًا في ثقة المواطنين بمستقبلهم، مما ينعكس على قرارات الزواج والإنجاب. كما أن الحرب في أوكرانيا ألقت بظلالها على الأوضاع الداخلية، وأسهمت في زيادة معدلات الهجرة ونزوح بعض الشباب من البلاد، وهو ما يفاقم الأزمة السكانية.

التوقعات المستقبلية للسكان في روسيا

تشير التوقعات السكانية إلى أن عدد سكان روسيا قد ينخفض إلى أقل من 142 مليون نسمة بحلول عام 2030، في حال استمر الاتجاه الحالي دون تدخلات فعالة. ويتوقع أن يتفاقم الاختلال في التركيبة السكانية بين الفئات العمرية، مما قد يؤدي إلى انخفاض عدد القوى العاملة وزيادة نسبة المتقاعدين. وتُعد هذه التوقعات تحديًا كبيرًا لمستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

خاتمة

رغم المساحة الهائلة والموارد الطبيعية الغنية التي تتمتع بها روسيا، إلا أن مستقبلها السكاني يواجه تحديات معقدة تستوجب التعامل معها بجدية وعقلانية. تحتاج روسيا إلى سياسات أكثر طموحًا تستند إلى رؤية استراتيجية طويلة الأمد، تشمل ليس فقط الحوافز المالية، بل أيضًا تحسين جودة الحياة، وتعزيز الاستقرار السياسي، وتوفير بيئة مناسبة لاحتضان الشباب وتشجيعهم على البقاء داخل البلاد والمساهمة في نهضتها.