تُعد كوريا الشمالية واحدة من أكثر الدول غموضًا على الساحة العالمية، ليس فقط بسبب نظامها السياسي المنغلق، بل أيضًا بسبب ندرة البيانات الدقيقة التي تُنشر عنها في مجالات عديدة، من بينها المجال السكاني. ومع ذلك، فإن المؤشرات الدولية والتقارير الأممية تسعى لرسم صورة تقريبية لتطور عدد السكان وتوزيعهم، لفهم الواقع الداخلي لهذه الدولة التي يعيش فيها ملايين الأفراد بعيدًا عن أعين الإعلام والمجتمع الدولي.
أقسام المقال
عدد السكان في كوريا الشمالية
يُقدَّر عدد سكان كوريا الشمالية في منتصف عام 2025 بنحو 26,571,036 نسمة، وفقًا لأحدث التقديرات العالمية المبنية على تحليل بيانات الأمم المتحدة والمنظمات الديموغرافية. هذا العدد يُظهر زيادة طفيفة مقارنة بعام 2024، حيث كان عدد السكان يبلغ حينها حوالي 26.5 مليون نسمة. هذا النمو البطيء يشير إلى استقرار نسبي في المؤشرات السكانية، ويُعزى إلى انخفاض معدل الخصوبة ومحدودية الهجرة. وتُظهر التقديرات أن كوريا الشمالية تحتل المرتبة 56 عالميًا من حيث عدد السكان، ما يجعلها ضمن الدول متوسطة الحجم ديموغرافيًا.
الكثافة السكانية في كوريا الشمالية
مع مساحة تقارب 120,540 كيلومترًا مربعًا، تبلغ الكثافة السكانية في كوريا الشمالية نحو 221 نسمة لكل كيلومتر مربع، وهو رقم معتدل مقارنة بدول آسيوية أخرى، مثل كوريا الجنوبية أو اليابان. إلا أن هذه الكثافة غير موزعة بشكل متساوٍ، حيث تتركز النسبة الأكبر من السكان في المناطق الحضرية وبخاصة العاصمة بيونغ يانغ، بينما تعاني المناطق الجبلية والريفية من انخفاض كبير في التعداد السكاني نتيجة للهجرة الداخلية وضعف الخدمات.
التركيبة العمرية للسكان في كوريا الشمالية
تشهد كوريا الشمالية تحولًا تدريجيًا نحو الشيخوخة، وهو اتجاه يشترك فيه عدد من الدول في شرق آسيا. تُظهر البيانات أن متوسط العمر في البلاد يقترب من 37 عامًا، مع تزايد ملحوظ في نسبة كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 65 عامًا. هذا التغير الديموغرافي تسبّب فيه انخفاض معدل الولادات، حيث يبلغ معدل الخصوبة نحو 1.85 طفل لكل امرأة، وهو أقل من المعدل العالمي اللازم للحفاظ على استقرار عدد السكان. النتيجة هي تقلص تدريجي في القوى العاملة، ما يفرض ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الوطني.
التوزيع الحضري والريفي
تشير التقديرات إلى أن حوالي 63.3% من السكان يعيشون في المدن، بينما يقطن 36.7% في المناطق الريفية. وتُعد العاصمة بيونغ يانغ المركز الأكبر والأكثر اكتظاظًا بالسكان، حيث تُفضل الدولة تركيز الخدمات والأنشطة الاقتصادية فيها. بينما تعاني القرى والمناطق الجبلية من ضعف البنية التحتية وقلة فرص العمل، مما يدفع السكان، لا سيما الشباب، إلى الهجرة إلى المدن بحثًا عن تحسين أوضاعهم.
التركيبة الجنسية للسكان
تتسم التركيبة الجنسية في كوريا الشمالية بتوازن نسبي، حيث يُشكّل الذكور حوالي 49.5% من السكان، في مقابل 50.5% للإناث. ويُلاحظ أن النسبة قد تتفاوت بين الفئات العمرية، خاصة في مرحلة الشباب، بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية التي تطال الذكور، إضافة إلى الهجرة الخارجية المحدودة التي قد تؤثر أيضًا على التركيبة السكانية في بعض المناطق الحدودية.
مستوى النمو السكاني السنوي
يشهد معدل النمو السكاني في كوريا الشمالية استقرارًا نسبيًا، مع زيادة سنوية تُقدّر بـ0.27%، وهي نسبة ضعيفة تعكس عدة عوامل مجتمعة، مثل قلة المواليد والهجرة السلبية. ورغم غياب أرقام رسمية دقيقة تصدرها الحكومة، فإن المعطيات الإحصائية التي تُجمع من قبل مؤسسات دولية تعطي صورة عامة عن التباطؤ في النمو الطبيعي، ما يُثير تساؤلات مستقبلية حول التركيبة السكانية والتحديات التي قد تطرأ على النظام الاجتماعي والاقتصادي.
التعليم والعمالة وتأثيرهما على السكان
يلعب التعليم دورًا محوريًا في تشكيل القوى السكانية في كوريا الشمالية، حيث تفرض الدولة نظامًا تعليميًا صارمًا ومجانيًا حتى المرحلة الجامعية. إلا أن المناهج تُركّز بشكل كبير على الأيديولوجيا السياسية، مما يحد من تنوع المهارات لدى الخريجين. أما سوق العمل، فيُدار بشكل مركزي وتُخصص فيه الوظائف بحسب حاجة الدولة وليس رغبة الفرد، وهو ما يؤثر على الحراك الاجتماعي وعلى قرار تكوين الأسرة، وبالتالي على النمو السكاني بشكل غير مباشر.
التحديات السكانية المستقبلية
تُواجه كوريا الشمالية مجموعة من التحديات السكانية، أبرزها التباطؤ في النمو الطبيعي، والتوزيع غير المتكافئ للسكان، وارتفاع نسبة كبار السن. ومع استمرار العقوبات الاقتصادية الدولية، يصبح من الصعب على الدولة تلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها بشكل متكافئ. كما قد يؤدي تراجع نسبة الشباب إلى صعوبات في دعم نظام الضمان الاجتماعي في المستقبل، ما يفرض على النظام الحاكم دراسة إصلاحات في السياسات السكانية والخدمات العامة.
خاتمة
رغم صعوبة الحصول على بيانات دقيقة من داخل كوريا الشمالية، فإن المؤشرات المتاحة تكشف عن حالة سكانية تتسم بالاستقرار الظاهري، لكنها تخفي خلفها تحديات ديموغرافية عميقة. ومع دخول البلاد في مرحلة من التغيرات الديموغرافية البطيئة، سيكون على القيادة الكورية أن توازن بين الحفاظ على التركيبة الاجتماعية، ومواجهة شيخوخة السكان، وتطوير البنية التحتية لاستيعاب التوزيع غير المتوازن للسكان، وهي مهام معقدة في ظل انغلاق النظام وعدم انفتاحه على العالم.