تُعد الهريفنيا العملة الوطنية الرسمية لأوكرانيا، وتمثل رمزًا مهمًا من رموز الاستقلال الاقتصادي والسيادة الوطنية. منذ تأسيسها عقب انفصال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي، لعبت الهريفنيا دورًا محوريًا في تشكيل السياسات النقدية والمالية للبلاد، وساهمت في استقرار السوق المحلي رغم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتكررة. ومع استمرار الحرب في شرق البلاد، والضغوط التضخمية، والمساعدات المالية الدولية، باتت الهريفنيا في قلب المشهد الاقتصادي، ما يجعل فهم تطوراتها وأدائها أمرًا ضروريًا لكل مهتم بالشأن الأوكراني أو الاقتصادي العالمي.
أقسام المقال
تاريخ الهريفنيا وتطورها
يعود أصل اسم “هريفنيا” إلى العصور الوسطى، وتحديدًا إلى دولة كييف روس، حيث كانت تشير إلى قطعة من الفضة تُستخدم كوحدة نقدية ووزنية. بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي في 1991، مرت أوكرانيا بفترة انتقالية اقتصادية صعبة، شهدت خلالها تضخمًا مفرطًا وعدم استقرار نقدي. في عام 1996، تم تقديم الهريفنيا لتحل محل عملة الكاربوفانيتس المؤقتة، وتم ربطها حينها بسعر صرف مستقر نسبيًا مقابل الدولار، في محاولة لاستعادة الثقة المحلية والدولية في الاقتصاد الأوكراني.
فئات العملة الأوكرانية
تشمل الهريفنيا الأوكرانية فئات متعددة من العملات المعدنية (كوبيك) والفئات الورقية. العملات المعدنية تشمل فئات 10، 25، 50 كوبيك، إضافة إلى عملات الهريفنيا المعدنية (1، 2، 5، 10 هريفنيا). أما الأوراق النقدية فتتراوح من 1 إلى 1000 هريفنيا، وتتميز بتصاميم مستوحاة من رموز وشخصيات وطنية وتاريخية أوكرانية، ما يجعلها وسيلة تعليمية وثقافية إلى جانب استخدامها النقدي.
سعر صرف الهريفنيا
في عام 2025، شهدت الهريفنيا تقلبات ملحوظة في سعر صرفها أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكي. وصل الدولار إلى أعلى قيمة له في السوق الرسمية عند 42.40 هريفنيا في يناير، بينما انخفض إلى 41.05 في أبريل، واستقر عند 41.51 في منتصف يونيو. تعكس هذه التغيرات الحساسة تأثر العملة بالأحداث السياسية والأمنية، وبالضغوط على ميزان المدفوعات والتدفقات الرأسمالية.
أداء الهريفنيا مقابل العملات الأجنبية
بالإضافة إلى الدولار الأمريكي، شهدت الهريفنيا تذبذبًا مقابل اليورو، حيث ساهم ارتفاع التضخم في الاتحاد الأوروبي وتغيرات السياسة النقدية الأوروبية في تقوية اليورو على حساب الهريفنيا لفترات محددة. ومع ذلك، ساعد تدخل البنك الوطني الأوكراني في سوق العملات على الحد من التدهور الحاد، مستخدمًا احتياطاته من النقد الأجنبي لتهدئة السوق.
دور البنك الوطني الأوكراني
يقوم البنك الوطني الأوكراني بدور محوري في إدارة سعر صرف الهريفنيا واستقرار النظام المصرفي. ومن خلال أدوات السياسة النقدية، كالفائدة الرئيسية والتدخلات في سوق العملات، يسعى البنك إلى احتواء التضخم ودعم قيمة العملة. في مايو 2025، قرر البنك الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند 15.5% بسبب معدلات التضخم المرتفعة والتي وصلت إلى 15.9%، مدفوعة بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
تأثير الحرب والمساعدات الخارجية
تُعتبر الحرب المستمرة في شرق أوكرانيا والتوترات مع روسيا من أبرز العوامل التي تؤثر على استقرار الهريفنيا. فالأزمات الجيوسياسية تخلق حالة من عدم اليقين، وتدفع المستثمرين إلى تحويل أموالهم نحو عملات أكثر أمانًا، ما يضغط على سعر صرف الهريفنيا. في المقابل، توفر المساعدات المالية الغربية، خاصة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، دعمًا مؤقتًا للاحتياطي النقدي وتعزيزًا للاستقرار النقدي.
معدلات التضخم وتكلفة المعيشة
يشكل التضخم أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الأوكراني، حيث يؤثر مباشرة في القوة الشرائية للمواطنين. في عام 2025، ساهمت عدة عوامل في ارتفاع الأسعار، أبرزها انخفاض قيمة العملة، وزيادة أسعار الاستيراد، وصعوبات سلاسل الإمداد. ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 22.1%، مما تسبب في ضغط كبير على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وأدى إلى مطالبات بزيادة الأجور والدعم الحكومي.
توقعات مستقبل الهريفنيا
تتباين التوقعات بشأن مستقبل الهريفنيا، حيث توقعت الحكومة الأوكرانية أن يبلغ متوسط سعر صرف الدولار 45 هريفنيا في 2025، مع احتمال بلوغه 45.6 في نهاية العام. بالمقابل، يرى معهد الاقتصاد في كييف أن السعر قد يستقر عند 43 هريفنيا، مع تحسن نسبي في التوازن المالي بفضل الحزم الإصلاحية. وتعتمد هذه التوقعات على مدى استقرار الوضع الأمني، واستمرار تدفق الدعم الدولي، وتحقيق أهداف الإصلاح المالي والإداري.
العملات الرقمية في أوكرانيا
تُعد أوكرانيا من الدول النشطة في مجال العملات الرقمية، حيث أطلقت الحكومة برامج لتنظيم هذا القطاع وتبني تقنية البلوك تشين. في الأعوام الأخيرة، ناقش البنك الوطني الأوكراني إمكانية إصدار عملة رقمية وطنية (e-hryvnia)، كجزء من استراتيجية التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي. وقد يشكل هذا المشروع في المستقبل بديلاً رقميًا للهريفنيا التقليدية، مع تعزيز أمن المعاملات وسهولة الوصول للأنظمة المالية.
خاتمة
الهريفنيا ليست مجرد عملة بل مرآة تعكس حال الاقتصاد الأوكراني وتحدياته. ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، لا تزال العملة الوطنية صامدة نسبياً بفضل سياسات نقدية مدروسة ودعم خارجي مستمر. يتوقف مصير الهريفنيا في السنوات القادمة على مدى قدرة الحكومة والبنك المركزي على تحقيق الاستقرار، واحتواء التضخم، وتحفيز الإنتاج المحلي، بما يضمن حماية القوة الشرائية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.