عملة إيران

تُعد العملة الإيرانية انعكاسًا مباشرًا لتقلبات الاقتصاد الإيراني وتحدياته الداخلية والخارجية. من الريال الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من قرنين من الزمن، إلى التومان الذي يعود إلى الواجهة كمفهوم تداولي شعبي، تتداخل العوامل الاقتصادية والسياسية لتشكل مشهدًا ماليًا معقدًا في إيران. هذا المقال يستعرض جذور العملة الإيرانية، وتحولاتها، وصراعاتها مع التضخم والعقوبات، بالإضافة إلى تحليل استخداماتها اليومية وانعكاساتها على حياة المواطن الإيراني.

تاريخ الريال الإيراني

بدأ استخدام الريال الإيراني رسميًا عام 1798 في عهد الدولة القاجارية، وقد حلّ محل الدينار آنذاك. تطورت العملة تدريجيًا، فشهدت تعديلات في تصميمها وقيمتها، خاصة مع دخول إيران في الحقبة البهلوية. وتم في ثلاثينيات القرن العشرين ربط الريال بالجنيه الإسترليني ثم بالدولار الأمريكي، مما ساهم مؤقتًا في استقرار قيمته. بمرور الوقت، أصبح الريال جزءًا أساسيًا من الحياة الاقتصادية في البلاد رغم تعرضه لصدمات حادة.

الريال الإيراني في العصر الحديث

في العصر الحديث، وبالتحديد منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بدأت العملة تشهد اضطرابات حادة نتيجة العقوبات الغربية والتغيرات الجذرية في السياسات الاقتصادية. أدت العقوبات على القطاع النفطي والمصرفي إلى تراجع تدفق العملات الأجنبية، ما تسبب في فقدان الريال لقيمته تدريجيًا. ومع التذبذب السياسي الإقليمي والعالمي، تفاقمت الأزمة المالية الداخلية، وكان الريال أحد أبرز المتأثرين بهذه التحديات.

التومان: العملة الموازية غير الرسمية

رغم أن الريال هو العملة الرسمية للدولة، فإن التومان بات يُستخدم بشكل واسع بين الإيرانيين، حيث يُعادل التومان 10 ريالات. ويعود أصل التومان إلى حقبة المغول، لكنه اندثر رسميًا في القرن العشرين. إلا أن الشعب استمر في استخدامه لفظيًا للتبسيط، ومع تضخم الأسعار، عاد التومان ليشكل وحدة الحساب الأكثر شيوعًا في الحياة اليومية، حتى أن الحكومة أقرت خطة رسمية لتحويل العملة إليه تدريجيًا.

تأثير العقوبات على الريال الإيراني

منذ إعادة فرض العقوبات الأمريكية عام 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، دخل الريال مرحلة شديدة من الانهيار. انخفضت قيمته من نحو 35,000 ريال مقابل الدولار إلى أكثر من 500,000 ريال في السوق السوداء بحلول عام 2025. أدى هذا الانخفاض إلى تقلبات حادة في الأسعار، حيث لم يعد المواطن قادرًا على التنبؤ بكلفة السلع أو قيمة مدخراته من يوم لآخر. هذه التقلبات دفعت الحكومة لمحاولات يائسة لضبط السوق، دون تحقيق نتائج ملموسة.

محاولات الحكومة لدعم الريال

قامت السلطات الإيرانية بعدة خطوات لدعم العملة الوطنية، منها إنشاء سوق صرف رسمي موحد، وتقديم تسهيلات للشركات المصدرة للحصول على الدولار، فضلًا عن ضبط سوق الذهب. كما عمل البنك المركزي على وضع سقوف سعرية والتدخل بشراء وبيع العملات الأجنبية. إلا أن هذه الإجراءات فشلت في احتواء الأزمة، بسبب غياب الثقة الشعبية واستمرار الضغوط الخارجية، مما جعل الجهود تبدو مجرد حلول مؤقتة لا تعالج جذور المشكلة.

التضخم وأسعار السلع الأساسية

التضخم في إيران أصبح ظاهرة شبه مزمنة، فقد وصلت معدلاته إلى نحو 40% سنويًا في بعض الفترات، وفق تقارير رسمية. هذا الارتفاع أثر بشكل مباشر على الطبقة المتوسطة والفقيرة، إذ زادت أسعار المواد الغذائية والأدوية والخدمات بشكل يفوق قدرة المواطن الشرائية. الأزمات المتكررة في توفير السلع المستوردة أدت إلى نقص المعروض، وارتفاع الأسعار، وإقبال الناس على تخزين السلع خشية زيادات جديدة، مما فاقم المشكلة أكثر.

الريال الإيراني في الأسواق العالمية

يُعد الريال الإيراني من أضعف العملات عالميًا من حيث القيمة الاسمية. هذا الوضع يجعل من التعاملات التجارية الخارجية أكثر تعقيدًا، حيث تعتمد الشركات الإيرانية على اليورو أو الدولار أو اليوان الصيني لتسوية المدفوعات. كما أن ضعف العملة يفرض تحديات على السياحة والاستثمار، إذ يصعب جذب الاستثمارات الأجنبية في ظل بيئة نقدية غير مستقرة ومهددة باستمرار بالعقوبات.

التحديات المستقبلية للريال الإيراني

المستقبل القريب للريال يواجه تحديات معقدة، أبرزها: استمرار العقوبات الغربية، غياب إصلاحات اقتصادية هيكلية، انخفاض الإنتاج النفطي، واعتماد الحكومة على طباعة النقود لتغطية العجز. إضافة إلى ذلك، فإن انعدام الثقة بين المواطنين والبنك المركزي يساهم في تفاقم الأزمات. ومع ارتفاع سعر صرف الدولار، وغياب الشفافية في السياسات المالية، من الصعب توقع تعافي الريال في المدى المنظور.

دور العملات الرقمية في إيران

اتجهت شريحة من الإيرانيين مؤخرًا إلى استخدام العملات الرقمية مثل بيتكوين وإيثيريوم كوسيلة للتحايل على العقوبات ولحماية المدخرات من التضخم. وأبدت الحكومة اهتمامًا بتطوير “ريال رقمي” يخضع لإشراف البنك المركزي، بهدف التحكم بالتداولات وتقنين السوق. إلا أن هذا التوجه يواجه تحديات تنظيمية وتقنية، في ظل ضعف البنية التحتية الرقمية والرقابة الصارمة من الجهات الدولية.

خاتمة

عملة إيران تعكس أزمة اقتصادية عميقة متعددة الأبعاد، تمتد من العقوبات الخارجية إلى السياسات الداخلية غير المستقرة. فالريال يعاني من تآكل مستمر في قيمته، بينما يعجز التومان عن ملء هذا الفراغ رسميًا. وبين تقلبات السوق ومحاولات السيطرة الحكومية، يبقى المواطن الإيراني هو الضحية الأولى لهذا الانهيار النقدي، في انتظار حلول جذرية تضمن الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.