تحتل عملة الصين، المعروفة باسم الرنمينبي أو اليوان الصيني، مكانة بارزة في المشهد المالي الدولي، حيث تعكس مكانة الاقتصاد الصيني كأحد أقوى الاقتصادات في العالم. تحظى هذه العملة بتاريخ طويل وتحولات جوهرية، جعلتها من بين العملات التي يسعى العالم إلى فهمها ومراقبة تحركاتها. في هذا المقال، نسلّط الضوء على تفاصيل عملة الصين من حيث تاريخها، هيكلها، دورها العالمي، وسعر صرفها مقابل أبرز العملات الدولية، إلى جانب مستقبلها الرقمي وتحدياتها المعاصرة.
أقسام المقال
تاريخ العملة الصينية وتطورها
يعود أصل العملة الصينية إلى آلاف السنين، ما يجعلها من أقدم العملات المستخدمة في التاريخ البشري. استخدمت الصين القديمة أصداف الكاوري كنقود، ثم تطورت إلى عملات معدنية بأشكال غريبة كالسكاكين والمجارف، وصولًا إلى أول عملة ورقية في عهد أسرة تانغ خلال القرن السابع. في العصر الحديث، وتحديدًا عام 1948، أُصدرت النسخة الأولى من الرنمينبي من قبل البنك المركزي الصيني، أي قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية بعام واحد، وكان الهدف منها توحيد النظام المالي بعد الحرب الأهلية. ومنذ ذلك الحين، شهدت العملة إصلاحات متكررة لتتماشى مع التحولات الاقتصادية.
النظام النقدي في الصين
يعتمد النظام النقدي في الصين على إدارة مركزية صارمة من قبل بنك الشعب الصيني، الذي يتحكم في المعروض النقدي وسعر الفائدة وسياسات سعر الصرف. تستخدم الصين نظام سعر صرف مُدار، بحيث يُحدد البنك سعرًا يوميًا لليوان مقابل الدولار الأمريكي، ويُسمح له بالتذبذب بنسبة معينة. يُعد هذا النظام وسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، خاصة أن الصين تعتمد بشكل كبير على التصدير، وسعر صرف منخفض نسبيًا يُعد أداة فعالة لتعزيز التنافسية.
اليوان الصيني في الأسواق العالمية
رغم القيود على حركة رأس المال في الصين، إلا أن اليوان الصيني بدأ يشق طريقه بقوة إلى الأسواق الدولية. منذ إدراجه ضمن سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، أصبح اليوان خامس أكثر العملات استخدامًا في الاحتياطيات العالمية. وتواصل الصين توقيع اتفاقيات تبادل عملات مع العديد من الدول، ما يُسهّل استخدام اليوان في التبادلات التجارية، خاصة مع الدول الآسيوية والإفريقية التي تربطها علاقات اقتصادية وثيقة ببكين.
اليوان الرقمي: مستقبل العملة الصينية
من أبرز التطورات في النظام المالي الصيني هو إطلاق مشروع اليوان الرقمي أو “العملة الرقمية للبنك المركزي” (e-CNY). يُعد هذا المشروع من أوائل التطبيقات العملية للعملات الرقمية الرسمية على مستوى العالم. يتم استخدام اليوان الرقمي عبر تطبيقات الهواتف الذكية، ويُتيح تتبع حركة الأموال بدقة، مما يُسهم في تقليل التهرب الضريبي ومكافحة غسيل الأموال. كما يُعتبر أداة لتعزيز السيادة النقدية الصينية وتقليل الاعتماد على أنظمة الدفع الغربية.
سعر صرف اليوان مقابل الدولار والعملات الأخرى
اعتبارًا من 3 يونيو 2025، يُقدر سعر صرف اليوان الصيني مقابل الدولار الأمريكي بنحو 7.25 يوان لكل دولار. أما مقابل الجنيه المصري، فيصل السعر الرسمي إلى 6.89 جنيه للشراء و6.91 جنيه للبيع، مع اختلاف طفيف في السوق السوداء. ويُظهر هذا الاستقرار النسبي في السعر رغبة الحكومة الصينية في الحفاظ على مرونة نقدية منضبطة. يُذكر أن اليوان يتذبذب في نطاق محدد يوميًا أمام الدولار يُحدده البنك المركزي، بما لا يزيد عن ±2%.
تأثير العملة الصينية على الاقتصاد العالمي
مع تزايد الاعتماد على الصين كمركز صناعي وتجاري عالمي، بات لليوان تأثير مباشر في التجارة الدولية، لاسيما في آسيا وإفريقيا. يُستخدم اليوان في تسوية المعاملات التجارية، وتحتفظ به بنوك مركزية كجزء من احتياطياتها. كما أن انضمام اليوان إلى شبكات الدفع الدولية مثل “SWIFT” يعزز من استخدامه عالميًا، ويزيد من الثقة في العملة الصينية.
العملة الصينية وأسواق الطاقة
أحد التحولات المهمة في استراتيجية الصين هو السعي لتسعير بعض وارداتها من الطاقة، خصوصًا النفط، باليوان بدلًا من الدولار. وقد تم توقيع اتفاقيات مع روسيا ودول خليجية بهذا الخصوص، وهو ما يُعرف إعلاميًا بـ”البترو-يوان”. يهدف هذا التوجه إلى تقليص الهيمنة العالمية للدولار وتعزيز استقلالية الصين النقدية.
التحديات والفرص المستقبلية
تواجه العملة الصينية تحديات كبيرة، أبرزها الشفافية المحدودة في النظام المالي، وقيود حركة رأس المال، وضعف الثقة لدى المستثمر الأجنبي مقارنة بالدولار أو اليورو. إلا أن الصين تسعى لتجاوز هذه العقبات من خلال تعميق إصلاحاتها المالية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتوسيع استخدام اليوان في مبادرات كالحزام والطريق، مما قد يُحدث تحولًا في موازين القوى النقدية عالميًا خلال العقود القادمة.
مستقبل استخدام اليوان في العالم العربي
شهدت السنوات الأخيرة توسعًا ملحوظًا في استخدام اليوان في الدول العربية، وخاصة في المعاملات التجارية بين الصين ودول الخليج، ومصر، والمغرب. وقّعت بعض هذه الدول اتفاقيات تبادل عملات مع الصين، كما أن بعض البنوك العربية بدأت توفر حسابات باليوان، مما يُبشر بتعزيز دور العملة الصينية في المنطقة مستقبلاً.