قوة جواز سفر كوريا الشمالية

يُعد جواز السفر نافذتك نحو العالم، فهو الأداة التي تمنحك حرية التنقل واكتشاف الدول والثقافات الأخرى. ومع ذلك، لا تحظى جميع الجوازات بالقوة نفسها، إذ تختلف إمكانياتها وفقًا لاعتبارات سياسية ودبلوماسية معقدة. من بين أكثر الجوازات المثيرة للجدل في هذا السياق، يبرز جواز سفر كوريا الشمالية، ذلك الجواز الذي تحيط به القيود والتحديات من كل جانب. في هذا المقال، نُسلط الضوء على ترتيب وقوة جواز سفر كوريا الشمالية، ونكشف خلفيات القيود المفروضة عليه، بالإضافة إلى تحليل السياقات الجيوسياسية التي أثّرت في سمعته.

تصنيف جواز سفر كوريا الشمالية عالميًا

في ظل التحديثات الأخيرة لمؤشرات تصنيف جوازات السفر، يظهر جواز سفر كوريا الشمالية في مرتبة متأخرة عالميًا. وفقًا لمؤشر Henley Passport Index لعام 2025، يحتل هذا الجواز المرتبة 99 عالميًا، مما يمنح حامليه إمكانية السفر إلى 41 دولة بدون تأشيرة أو بتأشيرة عند الوصول. في المقابل، يُصنفه مؤشر VisaGuide في المرتبة 192 من أصل 199، إذ يُتيح الدخول بدون تأشيرة إلى 12 دولة فقط. هذا التباين في الترتيب يعكس اختلافًا في منهجيات التصنيف، حيث تعتمد بعض المؤشرات على بيانات رسمية من الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA)، بينما تعتمد مؤشرات أخرى على مراجع دبلوماسية أو مصادر بديلة.

الدول التي يمكن لحاملي جواز كوريا الشمالية دخولها بدون تأشيرة

رغم ضعف جواز السفر الكوري الشمالي، لا يزال بإمكان حامليه دخول بعض الدول دون الحاجة لتأشيرة مُسبقة أو عبر الحصول على التأشيرة عند الوصول. تشمل هذه الدول: ميكرونيزيا، دومينيكا، هايتي، غينيا، غامبيا، سانت فنسنت والغرينادين، نيبال، سوريا، كمبوديا، لاوس، موزمبيق، وجزر كوك. ورغم أن أغلب هذه الدول إما دول نامية أو ذات علاقات غير مستقرة مع الغرب، فإن وجودها على القائمة يُمثل متنفسًا محدودًا للكوريين الشماليين الراغبين بالسفر، خاصة أولئك المصرّح لهم بالخروج لأغراض دبلوماسية أو رياضية.

الدول التي تتطلب تأشيرة لحاملي جواز كوريا الشمالية

في الجهة المقابلة، يواجه الكوريون الشماليون صعوبة بالغة في دخول أغلب دول العالم، حيث تُطلب منهم تأشيرات مُسبقة صارمة وشروط معقدة. تشمل هذه الدول جميع دول أوروبا، والولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، واليابان، وسنغافورة. يعود هذا إلى اعتبارات سياسية وأمنية، بالإضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة على النظام الكوري الشمالي، خاصة تلك الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، مما يجعل منح التأشيرات لمواطني كوريا الشمالية أمرًا نادرًا للغاية ويخضع لتدقيق شديد.

التحديات التي يواجهها المواطنون الكوريون الشماليون في السفر

السفر بالنسبة للكوريين الشماليين ليس مجرد عبور حدود، بل هو فعل نادر يتطلب إذنًا مباشرًا من السلطات العليا. إذ أن الحصول على جواز سفر في كوريا الشمالية ليس متاحًا للعامة، بل يُمنح فقط للمسؤولين الحكوميين، الرياضيين، أو بعض العاملين في البعثات الخارجية، وتحت رقابة صارمة. حتى الحاصلين على جوازات رسمية يُجبرون على تسليمها بعد انتهاء المهمة. ومن الجدير بالذكر أن محاولات الهروب أو السفر غير المشروع تُعاقب بالسجن أو الإعدام، مما يجعل فكرة السفر حلمًا مؤجلًا أو مستحيلًا لغالبية المواطنين.

الفرق بين جواز كوريا الشمالية وجواز كوريا الجنوبية

تعكس مقارنة جواز كوريا الشمالية بجواز كوريا الجنوبية الفجوة الهائلة بين النظامين. ففي عام 2025، يُتيح جواز كوريا الجنوبية السفر إلى أكثر من 190 دولة بدون تأشيرة، مما يضعه ضمن أقوى 3 جوازات عالميًا. يعود هذا إلى السياسات الخارجية المنفتحة لسيول، وتعاونها الدبلوماسي الواسع مع العالم، بخلاف بيونغ يانغ التي تعاني من عزلة خانقة بسبب سياساتها النووية والانتهاكات الحقوقية. تعكس هذه الفجوة ليس فقط تباين الحريات، بل وتُظهر نتائج السياسات الخارجية المنعكسة على المواطن العادي.

أثر العقوبات الدولية على قوة جواز السفر الكوري الشمالي

منذ مطلع الألفية، تصاعدت العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية بسبب برامجها النووية وتجاربها الصاروخية. وقد أثرت هذه العقوبات بشكل مباشر على قدرة البلاد على عقد اتفاقيات ثنائية بشأن تسهيل السفر، ما أضعف جواز السفر الكوري الشمالي تدريجيًا. بل إن بعض الدول أوقفت تمامًا استقبال مواطني كوريا الشمالية أو فرضت عليهم حظرًا غير رسمي بسبب الضغوط الدولية، الأمر الذي ساهم في تدهور التصنيف العالمي لهذا الجواز.

استخدامات أخرى لجواز كوريا الشمالية

من المثير للاهتمام أن بعض التقارير أشارت إلى أن النظام الكوري الشمالي يمتلك جوازات سفر مزيفة أو صادرة بهويات وهمية تُستخدم في أنشطة استخباراتية أو مالية في الخارج. وغالبًا ما تُستخدم جوازات سفر بديلة أو صادرة بأسماء صينية أو أفريقية لتنفيذ بعض المهام، خاصة في إفريقيا أو جنوب شرق آسيا. هذا النوع من الاستخدام يوضح كيف تحوّل جواز السفر في بعض الحالات من أداة تنقل إلى وسيلة لعمليات سرية مرتبطة بالدولة.

الخلاصة

في نهاية المطاف، يُجسّد جواز سفر كوريا الشمالية واقع الدولة في علاقاتها مع العالم، ويُعد انعكاسًا دقيقًا لحالة العزلة والانغلاق السياسي التي تعيشها. وبينما يحلم ملايين البشر بزيارة دول العالم، يبقى الكوري الشمالي مقيدًا بجواز لا يُفتح إلا بأمر سلطوي وبشروط صارمة. ويظل الأمل معلقًا على تحولات سياسية قادمة قد تُعيد لهذا الجواز شيئًا من الاعتبار والقدرة على فتح أبواب العالم أمام حامليه.