ما معنى لعق القطة لقطة أخرى

تُعد سلوكيات القطط من أكثر السلوكيات إثارة للفضول بالنسبة لمحبي هذا الحيوان الأليف. واحدة من أكثر السلوكيات التي يتساءل عنها الكثيرون هي عندما تقوم قطة بلعق قطة أخرى. هل هو تعبير عن الحنان؟ أم يحمل هذا الفعل معاني أعمق ترتبط بالغريزة أو التنظيم الاجتماعي؟ في هذا المقال، نستعرض بشكل موسع الأسباب والدلالات التي قد تقف خلف هذا السلوك، ونقدم شرحًا تحليليًا يعتمد على أحدث ما توصلت إليه الدراسات في سلوكيات القطط.

السلوك الغريزي عند القطط

منذ لحظة ولادة القطة، تبدأ في التفاعل مع محيطها من خلال اللمس واللعق، حيث تقوم الأم بلعق صغارها لتحفيزهم على التنفس وتنشيط الدورة الدموية. هذا السلوك غريزي، ويُعتبر أساسًا لتكوين الروابط الأولى بين القطة وأمها. مع مرور الوقت، يتحول هذا السلوك من حاجة بيولوجية إلى وسيلة للتواصل الاجتماعي، ما يجعله جزءًا أساسيًا من تفاعلات القطط فيما بينها.

التنظيف المتبادل كوسيلة للتقارب

من أبرز مظاهر الحياة الاجتماعية عند القطط سلوك “اللعق المتبادل” أو ما يُعرف علميًا بـ”Allogrooming”. في هذا النوع من السلوك، تقوم القطط بتنظيف بعضها البعض في مناطق يصعب الوصول إليها كالرقبة والرأس. هذا السلوك لا يهدف فقط إلى الحفاظ على النظافة، بل يُعد أيضًا رسالة تقارب وطمأنينة، تعكس الارتياح النفسي والاستعداد لتكوين علاقة ودية مع القطة الأخرى.

العلاقات الأسرية بين القطط

في البيئات التي تتواجد فيها قطط من نفس العائلة، يكون سلوك اللعق أكثر وضوحًا وتكرارًا. فالأشقاء والأم مع صغارها يتبادلون اللعق كوسيلة تعبير عن الألفة والارتباط القوي. حتى بعد البلوغ، تحتفظ بعض القطط بهذا السلوك تجاه إخوتها وأفراد عائلتها، مما يُعزز التماسك العائلي ويقلل من التوترات داخل المجموعة.

الدلالة النفسية لسلوك اللعق

يعتبر سلوك لعق قطة لأخرى دلالة على الاسترخاء والثقة المتبادلة. القطة التي تقوم باللعق تكون في حالة مزاجية جيدة وتشعر بالأمان، بينما القطة التي يتم لعقها تستمتع بالاهتمام وتُظهر علامات الاسترخاء كالخرخرة أو إغلاق العيون. هذا المشهد هو مثال حي على التناغم النفسي الذي تسعى إليه القطط، ويُعد مؤشرًا إيجابيًا في العلاقات بين القطط.

لعق القطط في أوقات التوتر

على عكس المتوقع، قد تستخدم بعض القطط سلوك اللعق في لحظات التوتر كوسيلة لتخفيف الضغط. فالقطط التي تعيش في بيئات مزدحمة أو غير مستقرة تلجأ إلى لعق بعضها البعض كنوع من التهدئة النفسية. يُعتقد أن هذا السلوك يساعد على إفراز هرمونات مثل الأوكسيتوسين، والتي تُسهم في تقليل القلق وتعزيز الشعور بالراحة.

اختبار الهيمنة داخل المجموعة

في بعض الحالات، قد يُفسَّر سلوك اللعق كوسيلة للتعبير عن السيطرة. تقوم القطة الأقوى أو الأكثر نفوذًا بلعق الأخرى ضمن طقوس سلوكية تُظهر موقعها في التسلسل الهرمي داخل المجموعة. هذا لا يعني أن السلوك عدائي، بل هو جزء من نظام اجتماعي دقيق تتبعه القطط لتنظيم علاقاتها اليومية.

العلامات التحذيرية في سلوك اللعق

رغم أن سلوك اللعق غالبًا ما يكون إيجابيًا، إلا أن الإفراط فيه أو تحوله إلى سلوك قهري قد يشير إلى وجود مشكلة. إذا لاحظت أن إحدى القطط تلعق الأخرى بشكل متواصل يؤدي إلى تهيج الجلد أو ظهور بقع خالية من الشعر، فهذا يستوجب تدخلًا بيطريًا لتحديد السبب، والذي قد يكون نفسيًا أو ناتجًا عن طفيليات أو مشكلات جلدية.

لعق القطط للبشر: دلالات مماثلة

كثير من المربين يلاحظون أن قططهم تلعق أيديهم أو وجوههم، ويظنون أن هذا مجرد تقليد لما تقوم به القطط مع بعضها. في الواقع، هذا السلوك يُعبّر عن الحب والثقة. القطط تعتبر صاحبها جزءًا من دائرتها الاجتماعية، وتستخدم سلوك اللعق لنقل مشاعر القرب والانتماء.

هل كل القطط تمارس هذا السلوك؟

ليس جميع القطط تميل إلى ممارسة سلوك اللعق، فهناك اختلافات فردية بين القطط بناءً على التجارب السابقة، الشخصية، والبيئة التي تعيش فيها. بعض القطط المستقلة أو التي نشأت في عزلة قد لا تمارس هذا السلوك إطلاقًا، في حين أن القطط الاجتماعية والمرتبطة بأسرتها تميل إليه أكثر.

خاتمة

يمكن القول إن سلوك لعق القطة لقطة أخرى هو مرآة تعكس عمق العلاقات الاجتماعية والعاطفية بين القطط. هو سلوك معقد ومتعدد الأبعاد، يجمع بين الغريزة والتعبير العاطفي والتنظيم الاجتماعي. من خلال فهم هذا السلوك، يمكن لمربي القطط تعزيز بيئة صحية ونفسية مستقرة لقططهم، وفهم احتياجاتهم النفسية والعاطفية بطريقة أكثر عمقًا.