تُعد منى واصف واحدة من أبرز نجمات الفن في العالم العربي، حيث تركت بصمة لا تُمحى في الدراما السورية والعربية على مدار عقود طويلة. ولدت في دمشق عام 1942، ونشأت في بيئة متواضعة لأب كردي وأم مسيحية، مما أضفى على شخصيتها تنوعًا ثقافيًا انعكس لاحقًا في أدوارها الفنية. بدأت حياتها بعيدًا عن الأضواء كعارضة أزياء في نهاية خمسينيات القرن العشرين، قبل أن تتحول إلى التمثيل وتصبح رمزًا للأداء المسرحي والتلفزيوني. مسيرتها التي امتدت لأكثر من ستة عقود جعلتها شاهدة على تطور الفن العربي، حيث قدمت ما يزيد عن 170 عملًا تلفزيونيًا، إلى جانب عشرات الأعمال المسرحية والسينمائية.
أقسام المقال
منى واصف في أيام طفولتها
ولدت منى واصف في الأول من فبراير عام 1942 في حي متواضع بدمشق، وتحديدًا في شارع العابد بحارة الشرف. نشأت في أسرة تجمع بين التنوع الديني والثقافي، حيث كان والدها مسلمًا من أصول كردية ووالدتها مسيحية. لم تكن طفولتها مليئة بالرفاهية، بل عاشت ظروفًا بسيطة شكلت شخصيتها القوية التي ظهرت لاحقًا في اختياراتها الفنية. كانت البنت الكبرى بين ثلاث شقيقات، منهن الممثلتان هيفاء وغادة واصف، وعاشت مع زوجة أبيها التي أثرت في تربيتها بعد وفاة والدتها مبكرًا.
منى واصف تبدأ حياتها بعرض الأزياء
في سن الخامسة عشرة، بدأت منى واصف رحلتها في عالم الجمال والأناقة، حيث عملت في بيع “غزل البنات” في شوارع دمشق، وهي المهنة التي قد تبدو بعيدة عن مسيرتها الفنية اللاحقة، لكنها كانت بداية تواصلها مع الناس. بحلول السادسة عشرة، انتقلت للعمل كبائعة ملابس نسائية لدى أحد المصممين المعروفين في سوريا آنذاك، ثم أصبحت عارضة أزياء في السابعة عشرة. هذه التجربة فتحت أمامها أبوابًا جديدة، حيث شاركت في عروض أزياء محلية، مما منحها الثقة للانتقال إلى عالم الفن لاحقًا.
منى واصف تدخل عالم التمثيل المسرحي
عام 1960، شهد تحولًا كبيرًا في حياة منى واصف الشابة، حين انضمت إلى مسرح القوات المسلحة في سوريا. كانت تبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا فقط عندما قدمت أول عمل مسرحي لها بعنوان “العطر الأخضر”. هذا العمل لم يكن مجرد بداية، بل كان نقطة انطلاق لمسيرة طويلة ساهمت في تأسيس المسرح السوري الحديث. رغم معارضة عائلتها في البداية، أصرّت منى على مواصلة شغفها، متحدية التقاليد الاجتماعية السائدة آنذاك.
منى واصف وأول ظهور تلفزيوني
بعد عام واحد فقط من تجربتها المسرحية الأولى، خطت منى واصف خطوة جديدة نحو الشاشة الصغيرة. في عام 1961، ظهرت في أول عمل تلفزيوني لها بعنوان “ميلاد ظل”، وكانت تبلغ التاسعة عشرة من عمرها. هذا العمل، رغم بساطته، أظهر موهبتها الطبيعية وقدرتها على التأقلم مع أدوار متنوعة، مما مهد الطريق لها لتصبح لاحقًا واحدة من أبرز نجمات الدراما السورية.
تمرد منى واصف على تقاليد عائلتها
لم تكن رحلة منى واصف نحو الفن خالية من العقبات. في بداياتها، واجهت معارضة شديدة من عائلتها، خاصة والدتها التي عاقبتها عندما اكتشفت أنها تمثل في المركز الثقافي العربي بدمشق دون علمها. لكن منى، التي وصفت نفسها لاحقًا بـ”المتمردة”، لم تستسلم للضغوط الاجتماعية. تقول إن تقبل والدتها لاحقًا لقرارها كان الدافع الأكبر لها للمضي قدمًا، مؤكدة أن موافقة والدتها كانت تعني لها أنها على الطريق الصحيح.
منى واصف تترك الدراسة وتندم
من القرارات التي اتخذتها منى واصف في شبابها وأثرت عليها لاحقًا، كان تركها للدراسة لصالح الفن. رغم شغفها بالقراءة والتعلم، اختارت الانغماس في عالم التمثيل بدلاً من استكمال تعليمها الرسمي. في تصريحات لاحقة، عبرت عن ندمها على هذا القرار، مشيرة إلى أنه الشيء الوحيد الذي خالفت فيه رغبة والدتها، وأنها كانت تتمنى لو وازنت بين التعليم وشغفها الفني.
منى واصف وزواجها المبكر
في عام 1963، وهي في الحادية والعشرين من عمرها، تزوجت منى واصف من المخرج السوري محمد شاهين، الذي أصبح لاحقًا شريك حياتها وداعمًا كبيرًا لها. هذا الزواج، الذي استمر حتى وفاته في 2004، كان بداية مرحلة جديدة في حياتها. أنجبت منه ابنها الوحيد عمار عبد الحميد، الذي اختار لاحقًا مسارًا مختلفًا كمعارض سياسي خارج سوريا. رغم محاولات زوجها منعها من التمثيل في البداية، إلا أنها استطاعت إثبات نفسها ومواصلة مسيرتها.
منى واصف تصبح أيقونة فنية
مع مرور السنوات، تحولت منى واصف من فتاة شابة طموحة إلى أيقونة فنية في الوطن العربي. دورها الشهير في فيلم “الرسالة” عام 1976، حيث جسدت شخصية هند بنت عتبة، كان نقطة تحول كبيرة في مسيرتها، حيث أظهرت قدرتها على تقديم أدوار قوية ومعقدة. هذا الدور، إلى جانب أعمالها التلفزيونية اللاحقة، جعلها رمزًا للمرأة القوية في الدراما العربية.
منى واصف تحافظ على شغفها حتى اليوم
حتى في سن الثمانين، لا تزال منى واصف متمسكة بشغفها الفني الذي بدأته وهي صغيرة. تقول إنها متصالحة مع عمرها، وتستمر في ممارسة التمثيل والقراءة والسباحة كما كانت تفعل في شبابها. هذا الإصرار جعلها نموذجًا يُحتذى به للأجيال الجديدة، حيث حصلت على جوائز عديدة، منها جائزة الإنجاز مدى الحياة في مهرجان “جوي أووردز” عام 2024.