نزار أبو حجر ليس مجرد اسم برز في الدراما السورية، بل هو قصة كفاح استثنائية تستحق أن تُروى بكل تفاصيلها. فخلف الأدوار التي جسدها ببراعة على الشاشة، هناك طفل عاش التهجير والفقر والحرمان، لكنه نهض من بين الرماد ليصنع لنفسه مكانة مرموقة في عالم الفن. في هذا المقال، نغوص في تفاصيل طفولة نزار أبو حجر، من أزقة دمشق القديمة إلى أضواء المسرح والكاميرا، كاشفين عن محطات مجهولة ومواقف مؤثرة ساهمت في تشكيل شخصيته الصلبة والمتألقة.
أقسام المقال
نزار أبو حجر في الطفولة
وُلد نزار أحمد أبو حجر عام 1952 في العاصمة السورية دمشق، لأبوين فلسطينيين هاجرا من مدينة المجدل بعد نكبة عام 1948. كانت العائلة تعيش في حي شعبي بسيط داخل أحد أحياء دمشق القديمة، حيث امتزجت رائحة الياسمين بالمعاناة اليومية. توفي والده وهو لا يزال طفلًا، ليجد نفسه مسؤولًا في سن مبكرة عن إعالة والدته وأشقائه. هذه النشأة في بيئة فقيرة محفوفة بالتحديات صقلت شخصيته باكرًا، وزرعت فيه بذور القوة والتحمل.
نزار أبو حجر في المراهقة
أمضى نزار جزءًا من طفولته محرومًا من التعليم، فاضطرته الظروف إلى العمل في سن مبكرة كبائع متجول، حاملاً صناديق البضائع في الأسواق الدمشقية. إلا أن رغبته في التعلم لم تنطفئ، فالتحق في سن الخامسة عشرة بدورات محو الأمية، ثم واصل تعليمه بتفوق حتى نال الثانوية العامة، متغلبًا على كل العقبات التي واجهته. هذه المرحلة كانت حاسمة في تشكيل طموحه ووعيه، إذ أدرك أن العلم هو السلاح الحقيقي لتغيير مصيره.
نزار أبو حجر والجامعة
اختار نزار دراسة الفلسفة في جامعة دمشق، وهو اختيار غير شائع لشاب خرج لتوه من معاناة الشارع، لكن هذا التوجه كان نابعًا من شغفه العميق بأسئلة الوجود والإنسان. عمل في وظائف بسيطة نهارًا، ودرس ليلًا بجهدٍ لا يكل، حتى حصل على الدكتوراه في الفلسفة، في إنجاز فريد بالنسبة لشاب لم يدخل المدرسة إلا متأخرًا. هذه الخلفية الفلسفية أثرت لاحقًا على اختياراته الفنية وأسلوبه في تجسيد الشخصيات المركبة.
بداية نزار أبو حجر في التمثيل
كانت بداية نزار مع الفن عبر المسرح، حيث عمل خلف الكواليس بدايةً، ثم انتقل تدريجيًا إلى التمثيل. أول دور فعلي له كان صامتًا في فيلم “الليل” للمخرج محمد ملص، لكنه استطاع من خلال لغة الجسد أن يوصل مشاعر معقدة، ما جعله يحظى باهتمام النقاد والجمهور. هذه التجربة رغم بساطتها فتحت له الأبواب لعالم أوسع، وكان المسرح بالنسبة له مدرسة حقيقية صقلت أدواته التمثيلية.
شهرة نزار أبو حجر
عُرف نزار بتجسيده لشخصية “أبو غالب” بائع البليلة في مسلسل “باب الحارة”، وهي الشخصية التي صنعت له شهرة جماهيرية واسعة. لم تكن هذه الشخصية إلا تتويجًا لمسيرة طويلة من الأدوار الثانوية والتعب خلف الكواليس. شارك بعدها في مسلسلات بارزة مثل “الغربال”، “زمن البرغوت”، و”طاحون الشر”، مثبتًا قدرته على تقمص الشخصيات الشعبية والشريرة بطريقة فنية فريدة.
عائلة نزار أبو حجر
يتمتع نزار بروابط عائلية مميزة داخل الوسط الفني، إذ أن خاله هو الفنان أنور البابا الشهير بشخصية “أم كامل”، كما تربطه صلة قرابة بسعاد حسني ونجاة الصغيرة. هذه الخلفية جعلته قريبًا من أجواء الفن منذ صغره، لكنها لم تكن كافية لتمهيد طريقه، فاختار أن يعتمد على جهده فقط. وقد عبّر أكثر من مرة عن تقديره العميق لعائلته وحرصه على إبقاء حياته الخاصة بعيدًا عن الأضواء.
نزار أبو حجر والروحانيات
بعيدًا عن التمثيل، نزار إنسان ذو أبعاد فكرية وروحانية، إذ صرّح في أكثر من مناسبة بامتلاكه قدرات روحية خارقة، مثل رؤية صور وأحداث قبل وقوعها. وقد أثارت هذه التصريحات الجدل، لكنها تعكس جانبًا غامضًا وفلسفيًا في شخصيته. هذا البعد الداخلي العميق يظهر جليًا في أدائه التمثيلي، حيث يمنح شخصياته روحًا تتجاوز الحوار المكتوب.
نزار أبو حجر والفن
رغم انخراطه في الوسط الفني لعقود، إلا أن نزار عبّر غير مرة عن نقده لصناعة الفن، مشيرًا إلى أن المال والواسطة أصبحا أهم من الموهبة. وقال في لقاء تلفزيوني إنه لم يكن ليختار التمثيل لولا حاجته المادية في البداية، لكنه مع ذلك احترم هذه المهنة وقدم من خلالها ما يؤمن به. هذه النظرة الواقعية أكسبته احترامًا من زملائه ومن الجمهور.
كفاح نزار أبو حجر
قصة نزار أبو حجر هي أكثر من مجرد سيرة فنية، إنها ملحمة إنسانية عن شاب انطلق من القاع ليبلغ القمم. من طفولته في الأحياء الفقيرة، مرورًا بكفاحه في الدراسة والعمل، وصولًا إلى تألقه في التمثيل، يقدم نزار مثالًا حيًا على أن الإرادة والعلم والإصرار كفيلة بتغيير مصير الإنسان مهما بلغت التحديات. إنه شخصية لا تُنسى، ليس فقط بسبب أدواره، بل بسبب تاريخه الذي يفيض بالعبر.