نساء السعودية

في العقود الأخيرة، مرّت المرأة السعودية بتحولات تاريخية جذريّة، جعلتها تنتقل من دائرة الأدوار التقليدية إلى فضاء المشاركة الفاعلة في مختلف ميادين الحياة. ويرتبط هذا التحول ارتباطًا وثيقًا برؤية المملكة 2030، التي وضعت تمكين المرأة ضمن أولوياتها الاستراتيجية، إدراكًا لما للمرأة من دور محوري في نهضة المجتمعات وبناء المستقبل. فقد أصبحت المرأة السعودية اليوم حاضرة في مواقع اتخاذ القرار، ومؤثرة في الاقتصاد، ومبدعة في مجالات الثقافة والرياضة والفن، دون أن تتخلى عن هويتها أو خصوصيتها الثقافية. هذا المقال يستعرض أهم محاور حضور المرأة السعودية في المجتمع المعاصر، وانعكاسات التمكين على كافة جوانب حياتها.

التعليم في السعودية: بوابة تمكين المرأة

شكّل التعليم البوابة الأولى التي ولجت منها المرأة السعودية إلى فضاء التمكين. فقد شهدت العقود الماضية توسعًا هائلًا في فرص التعليم للفتيات على جميع المستويات، حتى غدت نسب التحاق النساء بالتعليم العالي تفوق في بعض التخصصات نسب الذكور. اليوم، نجد السعوديات يدرسن الطب والهندسة والحقوق والعلوم السياسية، بل ويتفوقن أكاديميًا في كثير من المجالات. كما دعمت الدولة البحوث الأكاديمية النسائية وبرامج الابتعاث الخارجي، مما أدى إلى بروز نخبة نسائية أكاديمية تُسهم في إنتاج المعرفة داخل المملكة وخارجها.

المرأة السعودية وسوق العمل: مشاركة متنامية

شهدت مشاركة النساء في سوق العمل السعودي نموًا نوعيًا وكميًا غير مسبوق. فالإصلاحات التنظيمية والتشريعات الحديثة أزالت كثيرًا من المعوقات التي كانت تحول دون دخول المرأة إلى بيئات العمل. وبات بإمكانها اليوم العمل في البنوك، وشركات الاتصالات، وقطاعات الطاقة، وتقنيات المعلومات، وحتى في الأمن والسلك العسكري. وظهرت نماذج نسائية ناجحة أثبتت قدرة المرأة على الإنتاج والمنافسة والابتكار. يُضاف إلى ذلك دعم ريادة الأعمال النسائية من خلال تقديم قروض ميسرة، وتسهيلات في التراخيص، ومراكز حاضنة للأفكار والمشاريع.

المرأة السعودية في المناصب القيادية

لم يعد تقلّد المناصب العليا حكرًا على الرجال، إذ أصبحت المرأة السعودية جزءًا من الكوادر القيادية في الحكومة والقطاع الخاص. فقد تولّت السعوديات مناصب وزارية ومقاعد في مجلس الشورى والسلك الدبلوماسي. كما أثبتت كفاءتها في إدارة الشركات الكبرى والمؤسسات الثقافية والتعليمية. ويمثل ذلك نقلة نوعية تعكس مستوى النضج المؤسسي الذي وصلته المملكة، حيث أصبحت كفاءة المرأة هي المعيار، لا جنسها.

المرأة السعودية والحقوق القانونية

أُجريت إصلاحات قانونية شاملة لتعزيز مكانة المرأة وحمايتها، منها إلغاء شرط الولاية في كثير من الإجراءات مثل إصدار الجوازات والسفر والتوظيف. كما فُعّلت قوانين الحماية من العنف الأسري، وجرائم التحرش، مما عزز ثقة المرأة بنفسها وشعورها بالأمان داخل المجتمع. ولأول مرة، أصبح بإمكان النساء الترافع في المحاكم، واستخراج الوثائق الرسمية، وتسجيل أبنائهن في المدارس دون عوائق.

المرأة السعودية في الرياضة والثقافة

شهدت الأعوام الأخيرة انطلاقة قوية للمرأة السعودية في مجالات لم تكن مألوفة من قبل، مثل الرياضة والفن والإنتاج الثقافي. فقد شاركت الرياضيات السعوديات في بطولات دولية، وتم تأسيس اتحادات نسائية رياضية، كما فتحت الصالات الرياضية النسائية. في الجانب الثقافي، برزت أسماء سعودية في مجالات الإخراج والكتابة والموسيقى والمسرح. وقد أضفى حضور المرأة في هذه المجالات بعدًا إنسانيًا وجماليًا على المشهد الثقافي الوطني، مع مراعاة الأصالة والهوية المحلية.

برامج ومبادرات تمكين المرأة في السعودية

دعمت الدولة السعودية تمكين المرأة عبر مجموعة من البرامج المتخصصة، أبرزها “وصول” الذي يهدف إلى تسهيل تنقل المرأة العاملة، و”قرة” الذي يقدم دعمًا لرعاية الأطفال أثناء فترة عمل الأم. كما أُنشئت مؤسسات مثل مجلس شؤون الأسرة، ومراكز أبحاث تعنى بشؤون المرأة والأسرة. ولا يُغفل هنا دور القطاع الخاص، الذي بادر بإطلاق برامج تمكين داخل الشركات عبر التدريب، والقيادة النسائية، ومجالس تمثيل المرأة في بيئة العمل.

المرأة السعودية ورؤية 2030

تسعى المملكة من خلال رؤية 2030 إلى رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أكثر من 30%، وقد اقتربت بالفعل من هذا الهدف. وتُعنى الرؤية بتمكين المرأة في القطاعات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والسياحة، ما يعكس إيمان القيادة بدور المرأة في بناء المستقبل. كما تحرص الرؤية على تغيير الصورة النمطية عن المرأة، وتقديمها باعتبارها عنصرًا فاعلًا ومتعدد الأدوار في بناء وطن طموح.

المرأة السعودية والأسرة والمجتمع

رغم انخراطها في سوق العمل والقيادة، لم تهمل المرأة السعودية دورها التقليدي كأم وزوجة وركيزة في الأسرة. بل على العكس، أصبحت قادرة على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية بفضل القوانين المرنة، وثقافة المجتمع التي بدأت تدعم الشراكة في المهام المنزلية. كما أصبحت الأم السعودية مصدر إلهام لبناتها، ونموذجًا يُحتذى به في الجمع بين الطموح والالتزام الاجتماعي.