في عمق الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالصومال منذ عقود، برزت المرأة الصومالية كرمز للصمود والإصرار على البقاء. ورغم الظروف القاسية، من حروب أهلية، وفقر مدقع، وتقاليد قبلية صارمة، لم تتراجع نساء الصومال عن أداء دور محوري في حياة المجتمع. بل إنهن أصبحن مع مرور الوقت صوتًا للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، محط احترام داخل الوطن وخارجه.
أقسام المقال
الهوية الصومالية في قالب أنثوي
تحتل المرأة مكانة مركزية في النسيج الثقافي والاجتماعي الصومالي، حيث تُعد الركيزة الأساسية في الأسرة، وعماد المجتمعات المحلية. فهي الأم والمربية، والمعيلة أحيانًا في غياب الأب، كما أنها حارسة العادات والقيم في بيئة يغلب عليها الطابع القبلي المحافظ. إلا أن هذه المكانة لم تترجم دائمًا إلى اعتراف بحقوقها، بل وُوجهت نساء كثر بالإقصاء والتمييز على أساس النوع، مما رسّخ فجوة في تمكينهن على المستويات كافة.
التعليم: الطريق إلى التغيير رغم العراقيل
يشكل التعليم حجر الزاوية في عملية تمكين المرأة الصومالية، لكن الطريق إليه لا يخلو من العقبات. فبحسب تقارير من منظمات إغاثية، لا تزال نسبة التحاق الفتيات بالمدارس منخفضة خاصة في المناطق الريفية. وذلك نتيجة للفقر، وتفضيل تعليم الذكور، والخوف من تعرض الفتيات للعنف أو المضايقات. ورغم ذلك، برزت مبادرات تعليمية محلية ودولية، أنشأت مدارس صديقة للفتيات، وسعت لتوفير بيئة تعليمية آمنة ومشجعة.
التحديات الصحية والنفسية
تعاني نساء الصومال من مشكلات صحية مركبة، بدءًا من نقص الرعاية الصحية أثناء الحمل والولادة، إلى الممارسات التقليدية الضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، والتي تؤثر على ملايين النساء. وتعاني الكثير من الفتيات من تبعات نفسية مؤلمة نتيجة لهذه الممارسات، وسط غياب شبه كامل للدعم النفسي أو الحملات التوعوية المستمرة. لكن مؤخرًا بدأت بعض المبادرات المحلية تتحدى هذه الظواهر وتحاول كسر حاجز الصمت.
العنف القائم على النوع الاجتماعي
يُعد العنف ضد النساء والفتيات من أبرز التحديات في المجتمع الصومالي. ففي ظل غياب التشريعات الصارمة، تنتشر جرائم مثل الزواج القسري، والاغتصاب، والعنف المنزلي، دون محاسبة كافية. وتواجه الناجيات من العنف عوائق في الإبلاغ، إذ يُنظر إليهن بنظرة لوم اجتماعي، ما يدفع كثيرات إلى الصمت. وقد ظهرت مؤخرًا أصوات نسائية شجاعة تدعو لتغيير القوانين وتحقيق العدالة للضحايا.
المرأة والاقتصاد غير الرسمي
تلعب النساء دورًا أساسيًا في الاقتصاد غير الرسمي بالصومال، حيث تعمل الكثيرات في الأسواق الشعبية كبائعات للخضروات، أو مشغولات يدوية، أو كعاملات في الزراعة. ويُعتبر هذا القطاع مصدر رزق مهم لكثير من الأسر، لكنه في الوقت ذاته يفتقر إلى الحماية القانونية والتأمينات. كما تواجه النساء عقبات في الحصول على قروض أو تدريب مهني يطور مشاريعهن.
التمثيل السياسي: خطوات صغيرة نحو مشاركة حقيقية
رغم النصوص القانونية التي تدعو إلى تخصيص نسبة من مقاعد البرلمان للنساء، فإن التمثيل السياسي للمرأة الصومالية لا يزال ضعيفًا. وغالبًا ما تُهمَّش المرأة من مواقع صنع القرار، بفعل الأعراف الذكورية التي تحكم النسيج السياسي. ومع ذلك، ظهرت نساء قويات كأمثلة مشرفة في البرلمان والحكومة، مما يبشر بتحولات تدريجية في العقليات.
الإعلام النسائي: منصة للنضال والتعبير
لعبت بعض الناشطات والإعلاميات دورًا بارزًا في كسر التابوهات داخل المجتمع الصومالي، من خلال برامج إذاعية أو منصات إلكترونية، تنقل قصص النساء وتفضح الانتهاكات. وتساهم هذه الأصوات النسوية في خلق وعي جماهيري جديد حول قضايا المرأة، والدعوة للمساواة ومكافحة العنف والتمييز.
نساء المهجر: سفراء التغيير
في الشتات، برزت نساء صوماليات ناجحات في مجالات السياسة والطب والأعمال، يحملن تجارب متميزة ومؤثرة. وتحاول بعضهن توجيه الدعم والمساعدات لنساء الداخل، من خلال مبادرات تنموية وتعليمية. وقد ألهمت قصص نجاحهن كثيرات في الداخل، وأعطت صورة إيجابية للمرأة الصومالية على المستوى العالمي.
الطريق إلى التمكين الشامل
لضمان مستقبل أكثر إشراقًا لنساء الصومال، يجب تفعيل شراكة متكاملة بين الدولة، والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية، من خلال:
- إصدار تشريعات واضحة لحماية المرأة من العنف والتمييز.
- رفع مستوى تعليم الفتيات في الأرياف والمناطق المحرومة.
- تمكين النساء اقتصاديًا عبر التمويل والتدريب.
- تطوير منظومة الرعاية الصحية للنساء.
- تعزيز مشاركة المرأة في الإعلام والسياسة.
تمثل نساء الصومال نموذجًا حيًا على قدرة المرأة على الصمود والتجدد في مواجهة التحديات الجسام. وبينما لا تزال المعركة مستمرة، إلا أن إرادة النساء وشجاعتهن تمهد الطريق نحو مجتمع أكثر عدلاً وإنصافًا.