نساء بنين

تُعدّ النساء في جمهورية بنين من الركائز الأساسية في بناء المجتمع، إذ يشكلن النصف الفعلي من السكان ويسهمن بشكل كبير في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومع ذلك، فإن واقع المرأة البنينة لا يخلو من المفارقات؛ فبينما تُبذل جهود رسمية ومدنية لتمكينها، تظل تحديات كثيرة تعيق تقدمها في ميادين عدة. في هذا المقال المطوّل، نستعرض أبرز ملامح وضع النساء في بنين، من منظور حقوقي، اجتماعي، سياسي واقتصادي، مدعّمين تحليلنا بأحدث البيانات والتطورات حتى تاريخ اليوم.

الحقوق القانونية للنساء في بنين

استطاعت بنين أن تحقق تقدمًا ملحوظًا في مجال التشريعات التي تخص النساء، خاصة مع اعتماد قانون الأسرة الجديد عام 2004، الذي منح المرأة حق الطلاق، والميراث، وفرض قيودًا على تعدد الزوجات دون موافقة الزوجة. كما تم حظر زواج القاصرات قانونيًا، وإن بقيت الممارسات في الريف أبطأ في الامتثال. تنص المادة السادسة من الدستور البنيني على المساواة الكاملة أمام القانون، مما يمنح النساء أدوات قانونية للطعن في الممارسات التمييزية. ورغم ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في التطبيق العملي لتلك القوانين في الأوساط الفقيرة والمهمشة.

العنف القائم على النوع الاجتماعي في بنين

لا يزال العنف القائم على النوع الاجتماعي منتشراً في بنين، حيث تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن أكثر من ثلث النساء عانين من شكل من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتهن. وقد شملت الإصلاحات الأخيرة في هذا المجال توسيع تعريف التحرش والاعتداء، مع إنشاء وحدات شرطة متخصصة في التعامل مع قضايا النساء والأطفال. كما ساهمت الحملات التوعوية، خاصة في المدارس والجامعات، في كسر حاجز الصمت الذي كان يحيط بضحايا العنف.

مشاركة النساء في الحياة السياسية في بنين

تُعد مشاركة النساء في السياسة إحدى النجاحات اللافتة في بنين مؤخرًا. حيث تم إدخال نظام الحصص (الكوتا) لضمان تمثيل نسائي لا يقل عن 24 مقعدًا في الجمعية الوطنية. وقد تم انتخاب 28 امرأة في البرلمان خلال انتخابات 2023، وهو أعلى رقم تشهده البلاد. كما أن تعيين مريم شابي تالاطا كنائبة لرئيس الجمهورية يعتبر تحولًا رمزيًا واستراتيجيًا يُعزز من حضور المرأة في مراكز القرار. ومع ذلك، ما زال تمثيل النساء في الحكومات المحلية ومجالس القرى ضعيفًا نسبيًا.

التعليم وتمكين الفتيات في بنين

التعليم هو السلاح الأكثر فعالية في معركة تمكين النساء. وقد ارتفعت نسبة التحاق الفتيات بالمدارس الابتدائية إلى أكثر من 85%، رغم أن معدلات التسرب لا تزال مرتفعة في المراحل الثانوية بسبب الزواج المبكر والحمل غير المرغوب فيه. تقدم بنين برامج دعم مالي وتعليمي للفتيات من الأسر الفقيرة، كما تم إنشاء مدارس داخلية في المناطق الريفية لتقليل المسافة التي تقطعها الفتيات يوميًا، مما يساهم في الحفاظ على استمرارية تعليمهن.

الصحة الإنجابية والحقوق الجنسية للنساء في بنين

الصحة الإنجابية أصبحت من أولويات الحكومة البنينة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تعديل القانون عام 2021 للسماح بالإجهاض في حالات الاغتصاب، وسفاح القربى، أو عندما تكون صحة الأم في خطر. كما توسعت برامج تنظيم الأسرة والتوعية الجنسية لتشمل المدارس والمراكز الشبابية. لكن لا تزال الفجوة كبيرة في الوصول إلى الخدمات الصحية في المناطق الريفية، حيث يفتقر الكثير من المراكز إلى التجهيزات اللازمة.

التمكين الاقتصادي للنساء في بنين

أكثر من 70% من النساء في بنين يعملن في القطاع غير الرسمي، خصوصًا في التجارة والزراعة الصغيرة. ورغم ذلك، فإن الحصول على التمويل يبقى عائقًا رئيسيًا. أطلقت الحكومة بالتعاون مع منظمات تنموية برامج تمويل صغيرة موجهة للنساء، شملت التدريب الإداري والمالي، مما ساعد العديد من النساء على إطلاق مشاريع ناجحة في مجالات الزراعة التحويلية، والحرف اليدوية، وتصنيع الأغذية. كما بدأت مبادرات لدعم إدماج النساء في الاقتصاد الرقمي وتمكينهن من استخدام التكنولوجيا في التسويق.

التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجه النساء في بنين

رغم الجهود الرسمية، فإن المعتقدات التقليدية والسلطوية الذكورية ما تزال متجذرة في بعض المناطق البنينة. وتُستخدم الأعراف المجتمعية في تبرير السيطرة على النساء، سواء في الأسرة أو الحياة العامة. وتبقى الممارسات الضارة مثل ختان الإناث وزواج الأطفال قائمة، وإن تراجعت نسبيًا بفضل تدخلات المنظمات المحلية والدولية. التوعية المجتمعية تلعب دورًا رئيسيًا في مواجهة هذه التحديات، خاصة عند إشراك الزعماء الدينيين والتقليديين في نشر ثقافة المساواة.

النساء والفنون والثقافة في بنين

برزت العديد من النساء في بنين في مجالات الفنون، مثل الموسيقى والمسرح والسينما. وتشكل الفنانات البنينيّات واجهة مشرقة تعكس التنوع الثقافي الغني للبلاد. كما تُستخدم الفنون كوسيلة للتوعية بحقوق المرأة ومناهضة العنف القائم على النوع، سواء من خلال الأغاني الشعبية أو الأعمال الدرامية والمهرجانات الثقافية. يلقى هذا النهج دعمًا متزايدًا من وزارة الثقافة ومنظمات المجتمع المدني.

الآفاق المستقبلية لتمكين النساء في بنين

مع الخطوات الإصلاحية الجارية، يُتوقع أن تستمر مسيرة تمكين النساء في بنين بوتيرة متصاعدة. يتطلب ذلك مواصلة إصلاح المؤسسات القانونية، وضمان تنفيذ السياسات الحكومية على أرض الواقع، وتوسيع دائرة الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني. كما يجب أن تترافق جهود التمكين مع تحول ثقافي طويل الأمد يغيّر من النظرة النمطية للمرأة، ويمنحها المساحة الكاملة لتكون فاعلاً متكافئًا في بناء مستقبل البلاد.