لطالما كانت المرأة التونسية ركيزة أساسية في نسيج المجتمع، ولعبت دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة منذ فجر الاستقلال وحتى اللحظة الراهنة. لقد ساهمت في جميع المجالات، من التعليم إلى السياسة، ومن العمل الميداني إلى مراكز القرار. ويعود الفضل في هذا المسار التقدمي إلى إرادة وطنية اتخذت من التمكين دعامة لتطوير المجتمع، غير أن هذا الطريق لم يخلُ من التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي لا تزال تُكافحها المرأة التونسية بصبر وعزم.
أقسام المقال
- الريادة القانونية: مجلة الأحوال الشخصية وفتح آفاق جديدة
- التعليم كرافعة للتمكين الحقيقي
- المرأة وسوق الشغل: من العمل الهش إلى الريادة الاقتصادية
- العنف ضد المرأة: قضية لا تزال تؤرق الضمير الجمعي
- المشاركة السياسية: من التمثيل الرمزي إلى الفعل المؤثر
- النساء الريفيات: النضال في صمت
- المرأة التونسية والإعلام: كسر الصور النمطية
- المرأة والثقافة والفنون: صوت التغيير الناعم
- المرأة الشابة: جيل رقمي وآمال متجددة
- خاتمة: نظرة مستقبلية نحو تمكين شامل
الريادة القانونية: مجلة الأحوال الشخصية وفتح آفاق جديدة
من أبرز العلامات الفارقة في مسيرة المرأة التونسية صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، التي شكلت ثورة قانونية واجتماعية. ألغت المجلة تعدد الزوجات وفرضت الطلاق القضائي ومنحت المرأة حقوقًا غير مسبوقة في العالم العربي. وقد اعتُبرت هذه المجلة بمثابة إعلان لولادة امرأة تونسية جديدة، تمتلك قرارها وتتمتع بحماية قانونية تضمن كرامتها.
التعليم كرافعة للتمكين الحقيقي
ارتفعت نسب تعليم الإناث في تونس بشكل لافت منذ عقود، حتى باتت النساء يشكلن الأغلبية في التعليم العالي. هذا التوجه مكّن المرأة من دخول ميادين المعرفة والعمل، وفتح لها أبوابًا للمشاركة الاجتماعية الواسعة. ولم يعد حضور المرأة يقتصر على المجالات التقليدية، بل أصبحت تنافس في الهندسة، والطب، والتقنيات الحديثة، بل وحتى في البحوث العلمية الدقيقة.
المرأة وسوق الشغل: من العمل الهش إلى الريادة الاقتصادية
رغم هيمنة العمل غير المنظم والهش على مشاركة النساء، خصوصًا في المناطق الريفية، إلا أن هناك طفرات في دخول المرأة عالم ريادة الأعمال. أصبحت المرأة التونسية تدير مشاريع في مجالات الزراعة والتكنولوجيا والصناعات اليدوية، مدعومة بمبادرات التمويل الصغيرة. كما بدأت بعض السياسات العامة تتوجه لدعم الاستثمار النسائي، رغم بقاء فجوات تمويلية وهيكلية تؤثر على توسع المشاريع النسوية.
العنف ضد المرأة: قضية لا تزال تؤرق الضمير الجمعي
على الرغم من صدور القانون الشامل لمناهضة العنف ضد المرأة عام 2017، لا تزال الإحصائيات تسجل معدلات مرتفعة من العنف الأسري والجنسي والاقتصادي ضد النساء. ويعود هذا إلى ضعف ثقافة التبليغ، وقلة الثقة في العدالة، والوصم الاجتماعي الذي يلاحق الضحايا. وتعمل منظمات المجتمع المدني على رفع الوعي بهذه الظاهرة وتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا.
المشاركة السياسية: من التمثيل الرمزي إلى الفعل المؤثر
استفادت المرأة التونسية من نظام التناصف الإجباري الذي رفع من تمثيلها في البرلمان والمجالس البلدية. وبرزت أسماء نسائية فاعلة في المجال السياسي، شغلت مناصب وزارية وقيادية. ورغم ذلك، فإن مشاركة النساء لا تزال في كثير من الأحيان خاضعة لسقف حزبي أو رمزي، ما يحتم على الحركة النسائية الضغط من أجل مشاركة فعلية حقيقية تؤثر في القرار.
النساء الريفيات: النضال في صمت
المرأة الريفية في تونس تمثل شريحة هامة تعاني من التهميش المركب، فهي تعمل في الزراعة دون حماية اجتماعية، وتواجه ضعفًا في البنية التحتية الصحية والتعليمية. وغالبًا ما يتم تجاهل مطالبها في السياسات العمومية. وقد ظهرت مبادرات أهلية تهدف إلى تأطير النساء الريفيات، وتمكينهن اقتصاديًا من خلال التعاونيات والمشاريع الصغرى.
المرأة التونسية والإعلام: كسر الصور النمطية
شهد الإعلام التونسي تطورًا في تناول قضايا المرأة، مع بروز صحفيات ومقدمات نشرات وناشطات مؤثرات على المنصات الرقمية. ومع ذلك، لا يزال الإعلام يروّج أحيانًا لصورة نمطية للمرأة باعتبارها أداة للزينة أو تابعًا. وهنا تبرز الحاجة لمواثيق تحريرية تراعي النوع الاجتماعي وتدعم ظهور نساء خبيرات وقياديات في محتوى الإعلام.
المرأة والثقافة والفنون: صوت التغيير الناعم
برزت نساء تونس في المسرح، والغناء، والسينما، والكتابة الأدبية، حيث استخدمن الفنون للتعبير عن قضاياهن وواقعهن ومطالبهن. ومن أشهرهن فنانات ومخرجات حصدن جوائز عالمية. وتلعب الثقافة دورًا جوهريًا في تشكيل وعي مجتمعي متوازن حول أدوار المرأة وحقوقها.
المرأة الشابة: جيل رقمي وآمال متجددة
تعيش الشابات في تونس مرحلة مختلفة، حيث يمتلكن أدوات جديدة للتمكين من خلال التكنولوجيا وريادة الأعمال الرقمية. وتنتشر المبادرات الشبابية التي تقودها فتيات في مجالات الابتكار، والتنمية المستدامة، والبيئة، مما يؤشر إلى ميلاد جيل جديد من النساء القياديات، بحاجة فقط إلى الإسناد والدعم المؤسساتي.
خاتمة: نظرة مستقبلية نحو تمكين شامل
لا يمكن إنكار أن المرأة التونسية قطعت أشواطًا كبيرة في التمكين، ولكنها لا تزال تحتاج إلى دعم مؤسسي ومجتمعي لتجاوز العقبات. المطلوب اليوم هو ترسيخ المساواة كقيمة ثقافية وسلوك يومي، وليس مجرد نصوص قانونية. وحدها الإرادة الجماعية قادرة على بناء مجتمع عادل يشمل جميع أفراده دون تمييز.