نساء غينيا

نساء غينيا يمثلن العمود الفقري للمجتمع الغيني، إذ يُعتمد عليهن في كافة مجالات الحياة اليومية، سواء في الأسرة أو سوق العمل أو النضال من أجل التغيير. ومع ذلك، لا تزال المرأة الغينية تعاني من فجوة كبيرة في الحقوق والفرص، نتيجة لعوامل ثقافية واقتصادية وتعليمية وصحية. وبينما تشهد البلاد تحولات سياسية واقتصادية، لا بد من إلقاء الضوء على واقع النساء الغينيات، والوقوف على الإنجازات والتحديات التي تعترض طريق تمكينهن الكامل.

التعليم وتمكين المرأة في غينيا

يُعد التعليم حجر الزاوية في تمكين المرأة الغينية من المشاركة الفعالة في التنمية. رغم المبادرات الحكومية والمنح الدراسية التي تستهدف الفتيات، إلا أن نسب التسرب المدرسي في المناطق الريفية ما تزال مرتفعة، لا سيما بسبب التقاليد التي تُفضل تعليم الذكور. كما أن كثيرًا من الأسر لا تستطيع تحمّل نفقات التعليم، ما يضطر الفتيات إلى ترك المدرسة في سن مبكرة. وهناك أيضًا تحديات تتعلق بغياب البنية التحتية المدرسية الجيدة، ونقص المعلمات المؤهلات، ما يحد من بيئة تعليمية آمنة للفتيات.

من جهة أخرى، برزت مؤسسات محلية ومبادرات مجتمعية تدعم تعليم الفتيات، مثل تقديم مساعدات غذائية مقابل الحضور المدرسي، وتخصيص ساعات توعية للآباء حول أهمية بقاء الفتاة في التعليم. هذه البرامج، على بساطتها، أحدثت فرقًا واضحًا في بعض القرى والمناطق المهمشة.

الصحة الإنجابية والتحديات الصحية للنساء في غينيا

الواقع الصحي للنساء في غينيا لا يزال بعيدًا عن المعايير المقبولة، لا سيما في ما يتعلق بالصحة الإنجابية. تعاني النساء من محدودية الوصول إلى خدمات ما قبل وبعد الولادة، كما أن عدد القابلات المؤهلات لا يكفي لتغطية احتياجات المناطق الريفية. يُسجَّل في غينيا واحد من أعلى معدلات وفيات الأمهات في إفريقيا، ويرجع ذلك في جزء كبير إلى الولادة في المنازل وغياب المتابعة الطبية.

كما أن ضعف الثقافة الصحية يشكّل عاملًا إضافيًا في تعميق الأزمة، حيث تنتشر المفاهيم الخاطئة حول استخدام وسائل منع الحمل، مما يؤدي إلى حالات حمل غير مرغوب فيها وارتفاع معدلات الإجهاض غير الآمن. ومن الجوانب المهمة كذلك هو ضعف التوعية حول أمراض مثل سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم، ما يُفضي إلى تشخيص متأخر يصعب معه العلاج.

المشاركة السياسية والتمثيل النسائي في غينيا

في العقدين الأخيرين، شهدت غينيا حراكًا نسويًا هدفه دفع النساء نحو الأدوار القيادية. ورغم أن تمثيل النساء في البرلمان الغيني شهد ارتفاعًا ملحوظًا، إلا أن هذا التمثيل لا يزال في غالبه رمزيًا، إذ تفتقر الكثير من النساء للتمكين السياسي الحقيقي الذي يسمح لهن بإحداث تأثير فعلي في السياسات العامة.

هناك تحديات ثقافية تعيق صعود النساء في الهرم السياسي، إذ تُنظر إليهن في بعض الأوساط باعتبارهن غير مناسبات للمناصب العليا. إضافة إلى ذلك، تفتقر العديد من الأحزاب السياسية إلى سياسات واضحة لتمكين المرأة داخل هياكلها التنظيمية، ما يجعل الطريق إلى التمثيل المتوازن طويلًا ومليئًا بالعقبات.

التمكين الاقتصادي ودور النساء في الاقتصاد الغيني

تعتمد غالبية النساء الغينيات على القطاع غير الرسمي في كسب العيش، حيث تعمل كثير منهن في الزراعة التقليدية، أو التجارة البسيطة، أو الحِرف اليدوية. ورغم أنهن يشكلن نسبة كبيرة من القوى العاملة، إلا أن دخلهن يظل متواضعًا، ولا يحصلن غالبًا على الحماية الاجتماعية أو التأمين الصحي.

يُضاف إلى ذلك، أن النساء يواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل أو القروض البنكية، نظرًا لافتقارهن للضمانات المطلوبة أو الملكية القانونية للأرض. ولكن في المقابل، ظهرت خلال السنوات الماضية مبادرات تمويلية صغيرة تستهدف النساء، ووفرت لهن فرصة بدء مشاريعهن الخاصة، مثل إنتاج الزيوت النباتية، أو تربية الدواجن، أو بيع الأقمشة.

العنف القائم على النوع الاجتماعي في غينيا

العنف ضد النساء في غينيا لا يزال ظاهرة مقلقة للغاية. تعاني الكثير من النساء من العنف المنزلي، والتحرش في الشوارع وأماكن العمل، فضلًا عن العنف الجنسي الذي لا يُبلَّغ عنه في معظم الأحيان خوفًا من الوصمة أو ضعف النظام القضائي.

على الرغم من وجود قوانين تحظر هذا العنف، فإن تنفيذها على أرض الواقع يظل ضعيفًا. وفي هذا السياق، تلعب الجمعيات النسائية دورًا متقدمًا في رصد الانتهاكات وتوفير المساعدة القانونية والنفسية للضحايا، لكنها تفتقر إلى التمويل والدعم الحكومي اللازم للتوسع في عملها.

الختان والزواج المبكر: ممارسات تقليدية تؤثر على النساء في غينيا

ختان الإناث والزواج المبكر من أخطر الممارسات التي تؤثر على الطفلات في غينيا. لا تزال هذه العادات منتشرة بشكل واسع، خصوصًا في المناطق الداخلية، وتُمارس غالبًا بدافع الحفاظ على “الطهر” أو التقاليد القبلية، رغم أن القانون الغيني يجرّم هذه الأفعال.

الختان، الذي غالبًا ما يُجرى دون تخدير أو إشراف طبي، يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة منها النزيف، الالتهابات، والعقم في بعض الحالات. أما الزواج المبكر، فيمنع الفتاة من استكمال تعليمها ويعرضها لمخاطر صحية بسبب الحمل المبكر. وتكثّف منظمات محلية ودولية جهودها لمكافحة هذه الممارسات من خلال التوعية القانونية، والتدريب المجتمعي، وتمكين الفتيات من التعبير عن أنفسهن.

نماذج نسائية ملهمة في غينيا

رغم الواقع الصعب، أفرز المجتمع الغيني نساء بارزات استطعن تخطي العقبات وتحقيق إنجازات مؤثرة. من بينهن الطبيبة سيديابا ديالو، التي كرّست حياتها لمكافحة سرطان عنق الرحم في المناطق الفقيرة، وأسست أول وحدة متنقلة لفحص النساء في القرى النائية.

كما تبرز الناشطة السياسية فاطوماتا سيلا، التي قادت حملات مناصرة لتعديل قانون الأسرة لضمان حقوق المرأة في الميراث والطلاق. وتُعد الصحفية أداما كيتا من الأصوات النسائية القوية في الإعلام الغيني، حيث عملت على كشف قضايا العنف المنزلي والانتهاكات بحق النساء.

الخلاصة: نحو مستقبل أفضل للنساء في غينيا

المرأة الغينية تقف اليوم على مفترق طرق. فبين التحديات العميقة والآمال المتجددة، يتطلب النهوض بأوضاع النساء جهودًا متكاملة تشمل تحسين التعليم، والرعاية الصحية، وحماية الحقوق، والتمكين الاقتصادي، والتصدي للممارسات التقليدية الضارة. هناك مؤشرات مشجعة، لكنها بحاجة إلى استدامة ودعم حقيقي من كافة شرائح المجتمع.

بناء مجتمع يُنصف النساء في غينيا ليس مهمة النساء وحدهن، بل مسؤولية وطنية تتطلب تغييرًا ثقافيًا، وإصلاحات سياسية، والتزامًا تنمويًا طويل المدى. وعندها فقط، يمكن القول إن نساء غينيا يسرن نحو مستقبل يليق بطموحاتهن وقدراتهن.