نساء كوريا الشمالية

تلعب النساء في كوريا الشمالية دورًا محوريًا في بُنية المجتمع الذي يتمحور حول الانضباط الصارم والخضوع الكامل للدولة. فرغم الصورة الرسمية التي تروج لها الحكومة بشأن مساواة الجنسين وتقدير المرأة، إلا أن الواقع يحمل بين طياته العديد من التناقضات. نساء كوريا الشمالية يُجسدن تجربة فريدة ومركبة تتداخل فيها الأيديولوجيا السياسية، والقيود الثقافية، والأعباء الاقتصادية، والانتهاكات الحقوقية، في بلد يُعدّ من أكثر البلدان انغلاقًا في العالم.

المرأة الكورية الشمالية بين الأيديولوجيا والواقع

تتبنّى الحكومة الكورية الشمالية خطابًا دعائيًا قويًا يدّعي أن المرأة شريك كامل في عملية بناء الدولة الاشتراكية، وأنها تحظى بحقوق متساوية مع الرجل. إلا أن هذا الطرح يتعارض مع الواقع الفعلي، حيث تُفرض على النساء أدوار تقليدية صارمة داخل الأسرة، ويُتوقع منهن خدمة الزوج والدولة في آن واحد. كما أن مشاركتهن السياسية غالبًا ما تكون شكلية، وتُستخدم لتجميل صورة النظام أمام المجتمع الدولي.

التعليم والتمكين: فرص محدودة وآفاق مسدودة

من حيث المبدأ، تحصل الفتيات في كوريا الشمالية على تعليم مجاني وإلزامي، وقد تكون هناك فرص للالتحاق بالجامعات لمن يُظهرن ولاءً حزبيًا وكفاءة عالية. لكن في الواقع، تُعاني الفتيات من تمييز ضمني، خاصة في التخصصات العلمية والعسكرية. وغالبًا ما يُجبرن على ترك الدراسة في سن مبكرة للمساعدة في الأعمال المنزلية أو الالتحاق بوظائف منخفضة الأجر في السوق السوداء.

العمل والأسواق غير الرسمية: دور مزدوج وتحديات مستمرة

مع انهيار الاقتصاد الحكومي بعد المجاعة الكبرى في تسعينيات القرن الماضي، ظهرت الأسواق غير الرسمية كمصدر دخل أساسي لكثير من العائلات. النساء لعبن الدور الرئيسي في هذا الاقتصاد الموازي، حيث أصبحن مسؤولات عن بيع السلع والمواد الغذائية داخل الأسواق المحلية. رغم أن هذا الدور منحهن بعض الاستقلال المالي، إلا أنه جعلهن أيضًا عرضة للابتزاز من قِبل الشرطة والسلطات المحلية، حيث تُفرض عليهن ضرائب غير قانونية ومصادرات تعسفية.

العنف القائم على النوع الاجتماعي: قضية مسكوت عنها

لا توجد قوانين واضحة في كوريا الشمالية تجرّم العنف المنزلي أو العنف الجنسي، ما يجعل النساء في موقف هش وعرضة للانتهاكات داخل منازلهن أو في بيئات العمل. وسائل الإعلام الرسمية تتجاهل هذا الموضوع بالكامل، مما يزيد من صعوبة طرحه للنقاش المجتمعي. الناجيات من هذه الأفعال غالبًا ما يواجهن عزلة اجتماعية ونقصًا حادًا في وسائل الدعم النفسي أو القانوني.

المرأة في السياسة: تمثيل رمزي دون تأثير حقيقي

رغم وجود نساء في مواقع سياسية كواجهة أمام الإعلام، إلا أن مراكز النفوذ الحقيقية تظل حكرًا على الرجال المقربين من القيادة. يتم اختيار النساء بناءً على ولائهن المطلق وارتباطهن العائلي بالنظام الحاكم، كما هو الحال مع كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم كيم جونغ أون. هذا التمثيل الرمزي لا ينعكس على مشاركة حقيقية في صنع القرار أو في صياغة السياسات الداخلية والخارجية.

الانتهاكات في مراكز الاحتجاز: شهادات مروعة

النساء المعتقلات، خاصة من يُعاد ترحيلهن من الصين بعد محاولات هروب فاشلة، يتعرضن لظروف احتجاز قاسية. تشمل الانتهاكات الشائعة العمل القسري، التجويع، الضرب، وأحيانًا الاعتداء الجنسي من قبل الحراس. شهادات بعض الناجيات تفيد بتعرضهن لفحوصات مهينة تُجرى دون تخدير أو مراعاة طبية. لا يُسمح لمنظمات حقوق الإنسان بزيارة هذه المراكز، ما يجعل حجم الانتهاكات مجهولًا على نطاق واسع.

المرأة والرقابة الاجتماعية: دور مزدوج في النظام

تلعب النساء دورًا في نظام المراقبة الشعبية عبر وحدات “إنمينبان”، وهي منظمات محلية تعمل كأداة لضبط سلوك المواطنين. يتم اختيار مشرفات هذه الوحدات من النساء المسنّات غالبًا، ويُكلفن بتسجيل تحركات الجيران، والتبليغ عن أي نشاط مشبوه. رغم أنه يُنظر إلى هذا الدور كمصدر للسلطة، إلا أنه في الواقع عبء ثقيل تفرضه الدولة للسيطرة على المجتمع عبر النساء أنفسهن.

الاحتفالات الرسمية: تكريم ظاهري وتهميش فعلي

يُحتفل بيوم المرأة العالمي ويُسلط الضوء على النساء العاملات في وسائل الإعلام الحكومية، ويُمنحن أوسمة وهمية كمظاهر للتقدير. لكن هذا التقدير لا ينعكس في تحسين واقعهن المعيشي أو في سن قوانين تضمن حقوقهن. بل تُستخدم هذه المناسبات في إطار الدعاية السياسية، لإظهار صورة مثالية لا تمتّ للواقع بصلة.

دور النساء في محاولات الهروب من البلاد

عدد كبير من الفارين من كوريا الشمالية هم من النساء، بسبب الضغط الاقتصادي والاجتماعي. إلا أن الطريق إلى الهروب محفوف بالمخاطر، خاصة في الصين، حيث تتعرض الكثير منهن للاتجار أو الزواج القسري. بعض النساء يجدن طرقًا للاندماج في مجتمعات جديدة، بينما تعيش أخريات في خوف دائم من الإعادة القسرية إلى كوريا الشمالية.

الخاتمة: واقع معقد وتحديات مستمرة

نساء كوريا الشمالية يعشن حياة تتقاطع فيها الأيديولوجيا والحرمان والتحدي. فرغم أنهن يُعتبرن حجر الأساس في المجتمع اقتصاديًا وأسريًا، إلا أنهن لا يزلن محرومات من أبسط حقوقهن المدنية والسياسية. الأمل الوحيد يكمن في تسليط الضوء الدولي على معاناتهن، ودعم جهود الهروب واللجوء، والدعوة إلى إصلاحات قانونية وإنسانية شاملة تضمن لهن حياة كريمة.