القطط مخلوقات ساحرة تجمع بين الاستقلالية والحنان، وبين العزلة والانجذاب العاطفي لصاحبها. لطالما أثارت سلوكيات القطط الكثير من التساؤلات لدى المربين، ومن أبرز هذه الأسئلة: هل تعتبر القطة صاحبها بمثابة أمها؟ يبدو أن تصرفات القطط البالغة تجاه أصحابها تشبه في كثير من الأحيان ما تفعله القطط الصغيرة مع أمهاتها، من العجن واللعق والمواء بلغة معينة. في هذا المقال سنغوص في عمق هذا الموضوع لفهم أبعاده السلوكية والنفسية، وسنستعرض ما تقوله الدراسات الحديثة وملاحظات علماء السلوك الحيواني حول هذه الظاهرة.
أقسام المقال
سلوك العجن والبحث عن الأمان
واحدة من أبرز السلوكيات التي تلفت انتباه المربين هي “العجن”، حيث تستخدم القطة أطرافها الأمامية للضغط على سطح ناعم، غالبًا ما يكون جسم صاحبها. هذا السلوك مرتبط بمرحلة الطفولة عندما تقوم القطة الصغيرة بعجن بطن أمها لتحفيز تدفق الحليب. وعندما تكرر القطة هذا السلوك مع البشر، فإنها غالبًا ما تشعر براحة ودفء نفسي، وتشير بعض التحليلات إلى أن القطة ترى في هذا الشخص مصدرًا للرعاية والأمان يعوض علاقتها بأمها.
اللعق والملاطفة كدليل على الأمومة البديلة
يقوم العديد من القطط بلعق أصحابهم، وهو سلوك تنظيمي تستخدمه القطط للعناية بصغارها أو القطط الأخرى ضمن مجموعتها. عندما تلحس القطة جلد صاحبها أو شعره، فهي تقوم بدمج صاحبها ضمن دائرتها الأسرية أو الاجتماعية، مما يدل على وجود رابطة قوية تتعدى حدود العلاقة العادية. يعتبر بعض الخبراء هذا السلوك بمثابة نوع من التعويض عن الأم الحقيقية، ويعكس شعور القطة بالطمأنينة تجاه صاحبها.
مواء خاص وعين تراقب باهتمام
المواء ليس مجرد وسيلة تواصل صوتية عند القطط، بل هو أداة تعبيرية توجهها عادة للبشر فقط وليس للقطط الأخرى. بعض القطط تطور نوعًا خاصًا من المواء الذي لا تستخدمه إلا مع شخص محدد، وغالبًا ما يكون صاحبها الأساسي. كذلك، تتابع القطط أصحابها بنظرات مفعمة بالترقب والانتباه، وتبحث عن وجودهم في الغرفة عند غيابهم، مما يعزز من فكرة أن القطة ترى في صاحبها مرجعًا عاطفيًا مشابهًا للأم.
متى تتكون هذه العلاقة ولماذا؟
تتشكل هذه العلاقة القوية في مراحل مبكرة، خاصة إذا تم تبني القطة وهي صغيرة السن، حيث تعتمد بشكل كلي على من يرعاها في التغذية، والتنظيف، والاهتمام. هذه الرعاية المستمرة تبني رابطًا نفسيًا طويل الأمد يجعل القطة تنظر إلى المربي كشخص يوفر لها الأمان والحب، تمامًا كما تفعل الأم البيولوجية. كلما طالت فترة التواصل والحنان، زادت احتمالية أن ترى القطة في صاحبها بديلاً عاطفيًا عن الأم.
القطط لا تنسى من يرعاها
بخلاف الانطباع السائد بأن القطط لا تملك ذاكرة قوية، تؤكد دراسات علم السلوك أن القطط تحتفظ بذكريات طويلة الأمد، خاصة تلك المرتبطة بالعاطفة والرعاية. لذا، إذا شعرت القطة أن صاحبها كان هو مصدر الدفء والاهتمام منذ طفولتها، فإن هذا الشعور يترسخ في ذاكرتها وتستمر في التصرف بناءً عليه.
تحليل علمي للعلاقة بين القط والإنسان
علماء السلوك الحيواني أجروا تجارب باستخدام تقنية مراقبة الدماغ وقياس مستويات الهرمونات مثل الأوكسيتوسين -هرمون الحب- عند تفاعل القطة مع صاحبها. النتائج أظهرت أن القطة تفرز هذا الهرمون بشكل ملحوظ عند اللعب أو الجلوس بجانب الإنسان الذي تهتم به. هذا يُعد مؤشرًا بيولوجيًا على وجود رابطة عاطفية تشبه تلك التي تربط الطفل بوالدته.
هل هذه العلاقة تقتصر على قطة واحدة؟
لا، فالكثير من القطط تُظهر سلوكيات مشابهة مع أكثر من شخص، لكنها تميل غالبًا إلى اختيار شخص واحد لتمنحه مكانة الأم أو المربي الرئيسي. يتم اختيار هذا الشخص بناءً على طريقة تعامله معها، مدى اهتمامه، صوته، وحتى رائحته. كل هذه العوامل تلعب دورًا في تشكيل صورة المربي في ذهن القطة.
خلاصة
في النهاية، القطة لا تعتبر صاحبها أمًا بالمعنى البيولوجي، لكنها تبني معه علاقة وجدانية عميقة قد تحمل ملامح الأمومة من حيث الأمان، والاهتمام، والتغذية، والعناية. من خلال السلوكيات العاطفية والعلامات الفسيولوجية، يتضح أن القطة ترى في صاحبها شخصية محورية في حياتها، تعوضها عن الأم وتوفر لها الراحة النفسية والاجتماعية التي تحتاجها. وكلما فهم الإنسان هذه العلاقة بشكل أعمق، أصبح أكثر قدرة على تلبية احتياجات هذا الكائن الرقيق والغامض في آن واحد.