يُعد دريد لحام أحد أبرز أعمدة الفن العربي، حيث ترك بصمة لا تُمحى في عالم التمثيل والكوميديا والدراما على مدى عقود طويلة. هذا الفنان السوري، الذي اشتهر بشخصية “غوار الطوشة”، لم يقتصر دوره على إضحاك الجمهور فحسب، بل كان صوتًا يعبر عن هموم الإنسان العربي بأسلوب ساخر ومؤثر. ولد في دمشق، تلك المدينة العريقة التي شكلت خلفية طفولته ومسيرته، ليصبح لاحقًا رمزًا فنيًا يتجاوز الحدود الجغرافية. حياته مليئة بالإنجازات والتحولات، بدءًا من دراسته الأكاديمية وحتى وصوله إلى قمة الشهرة في الوطن العربي.
أقسام المقال
دريد لحام يولد في 9 فبراير 1934
جاء دريد لحام إلى العالم في 9 فبراير من عام 1934، في حي الأمين بدمشق، وهي منطقة تاريخية تحمل عبق الماضي السوري. هذا التاريخ يضعه ضمن جيل عاش تحولات كبرى في المنطقة العربية، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي. نشأ في أسرة متواضعة، حيث كان والده سوريًا ووالدته لبنانية من بلدة مشغرة، مما أضفى على شخصيته مزيجًا من الثقافتين السورية واللبنانية. تلك البداية المتواضعة لم تمنعه من أن يصبح لاحقًا أحد أهم الفنانين في تاريخ الفن العربي.
دريد لحام يبلغ من العمر 91 عامًا في 2025
مع حلول عام 2025، يكون دريد لحام قد أتم عامه الـ91، وهو عمر يعكس مسيرة طويلة مليئة بالعطاء الفني. رغم تقدمه في السن، ظل هذا الفنان محافظًا على حضوره وتأثيره، سواء من خلال أعماله القديمة التي لا تزال تعيش في ذاكرة الجمهور، أو بتصريحاته التي تثير النقاش بين الحين والآخر. هذا العمر ليس مجرد رقم، بل شاهد على رحلة بدأت في أحياء دمشق القديمة وامتدت لتشمل شاشات التلفزيون والمسرح والسينما في العالم العربي بأسره.
بدايات دريد لحام قبل الفن
قبل أن يصبح دريد لحام نجمًا معروفًا، كان شابًا يسعى لتحقيق طموحاته الأكاديمية. درس الكيمياء في جامعة دمشق وتخرج عام 1958، ثم عمل كمدرس في بلدة صلخد جنوب سوريا، وحاضر أيضًا في الجامعة. لم يكن الفن حينها هدفًا واضحًا في حياته، بل كان يعيش حياة عادية بعيدة عن الأضواء. لكن القدر كان له رأي آخر، حيث دعاه صديقه صباح قباني، مدير التلفزيون السوري آنذاك، لخوض تجربة التمثيل، لتبدأ رحلته الفنية التي غيرت مسار حياته.
دريد لحام وشخصية غوار الطوشة
لا يمكن الحديث عن دريد لحام دون ذكر “غوار الطوشة”، تلك الشخصية التي أصبحت رمزًا للكوميديا العربية. ظهرت لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، واستلهم دريد اسمها من شخص حقيقي عرفه في حياته، مضيفًا لها لقب “الطوشة” ليعكس طباعها الفكاهية والشعبية. هذه الشخصية، التي جسدها في العديد من الأعمال، كانت تعبر عن هموم الإنسان البسيط بطريقة ساخرة، مما جعلها قريبة من قلوب المشاهدين في كل مكان.
زواج دريد لحام من هالة بيطار
في عام 1963، ارتبط دريد لحام بالسيدة هالة بيطار، التي أصبحت شريكة حياته وداعمته بعيدًا عن الأضواء. هالة، وهي سورية لا تنتمي للوسط الفني، كانت سندًا له طوال مسيرته، وأنجبا معًا ثلاثة أبناء: ثائر، عبير، ودينا. هذا الزواج، الذي استمر لعقود، يعكس استقرارًا عائليًا رافق نجاحه الفني، بعيدًا عن الشائعات التي حاولت أحيانًا النيل من سمعته الشخصية.
دريد لحام سفيرًا للنوايا الحسنة
في عام 1997، اختير دريد لحام سفيرًا للنوايا الحسنة من قبل منظمة اليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تكريمًا لجهوده في دعم قضايا الإنسانية، خاصة الأطفال. لكنه استقال من هذا المنصب في 2006 احتجاجًا على الحرب في لبنان، في موقف عكس تمسكه بمواقفه السياسية والإنسانية. هذا الدور أضاف بُعدًا جديدًا لشخصيته، مؤكدًا أن فنه لم يكن مجرد تسلية، بل وسيلة للتعبير عن قضايا أكبر.
جوائز دريد لحام تكريمًا لمسيرته
حصد دريد لحام خلال مسيرته العديد من الجوائز التي تعكس تأثيره الكبير. منها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2007، ودرع مهرجان القاهرة للإعلام العربي عام 2008، ودكتوراه فخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2010. كما نال تكريمات من مدن عالمية مثل لوس أنجلوس وديترويت، مما يبرز مكانته كفنان عابر للحدود.
دريد لحام والسياسة في أعماله
لم تكن أعمال دريد لحام مجرد ترفيه، بل حملت دائمًا طابعًا سياسيًا واجتماعيًا. مسرحيات مثل “كاسك يا وطن” و”ضيعة تشرين” تناولت قضايا الوطن العربي بنقد لاذع وذكي. هذا الجانب جعله فنانًا مثيرًا للجدل أحيانًا، لكنه أكد أن الفن بالنسبة له وسيلة للتعبير عن الواقع وليس مجرد أداة للضحك.
إرث دريد لحام في الفن العربي
مع مرور السنوات، يبقى دريد لحام رمزًا لجيل عاش الفن بكل تفاصيله. أعماله التي تجاوزت الخمسين عامًا لا تزال تحظى بشعبية كبيرة، سواء بين الأجيال القديمة التي عاصرت بداياته، أو الشباب الذين يكتشفون إبداعه عبر المنصات الحديثة. إرثه ليس فقط في الضحكات التي أهداها للجمهور، بل في الرسائل التي حملتها أدواره عن الأمل والصمود والنقد البناء.