يُعد دريد لحام أحد أبرز نجوم الكوميديا والدراما في العالم العربي، حيث ترك بصمة لا تُمحى في السينما والمسرح والتلفزيون السوري والعربي على مدار عقود. ولد في حي الأمين بدمشق القديمة عام 1934، وبدأ مسيرته الفنية في ستينيات القرن الماضي، ليصبح رمزًا للفن الهادف الذي يجمع بين الضحك والنقد الاجتماعي. اشتهر بشخصية “غوار الطوشة” التي أداها ببراعة، لكن أفلامه السينمائية كانت منصة أخرى أظهر فيها موهبته الاستثنائية. درس العلوم الكيميائية في جامعة دمشق وعمل مدرسًا قبل أن يتحول إلى عالم الفن، حيث استطاع أن يمزج بين خفة الظل والرسائل العميقة التي تعكس هموم المجتمع.
أقسام المقال
بداية دريد لحام مع السينما
بدأت رحلة دريد لحام السينمائية في ستينيات القرن العشرين، حيث كانت الأفلام في تلك الفترة تعتمد على البساطة والتركيز على القصص الشعبية. تعاون مع الفنان نهاد قلعي في العديد من الأعمال التي شكلت ثنائيًا كوميديًا لا يُنسى، حيث كانا يقدمان أفلامًا تجمع بين الفكاهة والنقد اللاذع. كانت هذه الأفلام تعكس حياة الناس العاديين ومشكلاتهم اليومية، مما جعلها قريبة من قلوب الجمهور. من أوائل أفلامه “عقد اللولو” عام 1964، الذي وضع حجر الأساس لمسيرته السينمائية الطويلة.
أفلام دريد لحام في الستينيات
شهدت الستينيات ازدهارًا في إنتاج أفلام دريد لحام، حيث قدم مجموعة من الأعمال التي جمعت بين الكوميديا والمغامرة. من أبرزها “لقاء في تدمر” عام 1965، الذي تناول قصة اجتماعية بأسلوب خفيف الظل، و”غرام في إسطنبول” عام 1966، الذي أظهر قدرته على تقديم شخصيات متنوعة بعيدًا عن إطار “غوار”. كما شارك في “فندق الأحلام” عام 1968، و”النصابين الثلاثة” في نفس العام، وكلاهما عزز مكانته كنجم كوميدي يعتمد على الحبكات الذكية والحوار الساخر.
تألق دريد لحام في السبعينيات
مع دخول السبعينيات، أصبح دريد لحام أكثر نضجًا في اختيار أدواره، حيث بدأ يميل إلى الأفلام التي تحمل رسائل سياسية واجتماعية. قدم فيلم “اللص الظريف” عام 1970، الذي يروي قصة لص يتحول إلى بطل شعبي بطريقة كوميدية، ثم “رمال من ذهب” عام 1971، الذي تناول قضايا الهجرة والحنين إلى الوطن. وفي “الثعلب” عام 1971، أبدع في تقديم شخصية ماكرة تعكس جوانب من الواقع العربي آنذاك، مما جعل أفلامه تحظى بشعبية واسعة.
فيلم “الحدود” يعكس عبقرية دريد لحام
يُعتبر فيلم “الحدود” عام 1984 من أهم الأعمال السينمائية في مسيرة دريد لحام، حيث لعب دور البطولة وأخرجه بنفسه. الفيلم، الذي كتب سيناريوه محمد الماغوط، يروي قصة مواطن يجد نفسه عالقًا بين بلدين بسبب فقدان أوراقه الثبوتية، في إشارة رمزية إلى الانقسامات بين الدول العربية. بأسلوب كوميدي ساخر، نجح الفيلم في تقديم نقد عميق للوحدة العربية الغائبة، مما جعله واحدًا من كلاسيكيات السينما العربية.
دريد لحام في “الآباء الصغار”
في عام 2006، عاد دريد لحام بفيلم “الآباء الصغار”، وهو عمل درامي يختلف عن أفلامه الكوميدية السابقة. لعب دور أب يعمل مع أبنائه الصغار لتحقيق وصية والدتهم بإكمال تعليمه، في محاولة لتحسين أوضاعهم المعيشية. الفيلم، الذي شاركت فيه الفنانة حنان ترك، حاز على إشادة واسعة وحصل لحام على تكريم من هيئة قصور الثقافة في مصر تقديرًا لجهوده في معالجة قضايا الأطفال.
آخر أفلام دريد لحام “الحكيم”
في مايو 2023، عُرض فيلم “الحكيم”، وهو آخر أعمال دريد لحام السينمائية حتى الآن. يتناول الفيلم قصة طبيب في ريف حمص يواجه صدمات الحرب الأهلية السورية، مع التركيز على التأثيرات النفسية للصراع على الأفراد. العمل يعكس قدرة لحام على التكيف مع الأدوار الدرامية العميقة، بعيدًا عن الكوميديا التي اشتهر بها، ويبرز حساسيته تجاه معاناة شعبه.
باقي أفلام دريد لحام البارزة
إلى جانب الأفلام المذكورة، قدم دريد لحام عددًا كبيرًا من الأعمال السينمائية الأخرى التي تستحق الذكر، مثل “خياط السيدات” عام 1969، و”الصعاليك” عام 1968، و”مقلب من المكسيك” عام 1972، و”كفرون” عام 1990. كما شارك في “دمشق حلب” عام 2018، الذي تناول العلاقات الإنسانية في ظل الحرب. هذه الأفلام تُظهر تنوعه الفني وقدرته على الجمع بين الترفيه والتأمل في قضايا المجتمع.
تأثير دريد لحام على السينما العربية
لم تقتصر إسهامات دريد لحام على تقديم أفلام ممتعة فحسب، بل امتدت لتأثيره الكبير على السينما العربية ككل. أفلامه، التي غالبًا ما كان يكتبها ويخرجها بنفسه، كانت مرآة تعكس هموم الإنسان العربي، سواء كانت اجتماعية أو سياسية. قدرته على تقديم النقد بأسلوب كوميدي جعلته محبوبًا لدى الجماهير، بينما ألهم جيلًا من الفنانين لاتباع نهجه في الفن الهادف.
حياة دريد لحام خارج الشاشة
بعيدًا عن السينما، عاش دريد لحام حياة مليئة بالتحديات والإنجازات. تزوج من هالة بيطار ولديه ثلاثة أبناء وسبعة أحفاد، وظل محافظًا على حياته الشخصية بعيدًا عن الأضواء. عُين سفيرًا للنوايا الحسنة لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 1999، لكنه استقال لاحقًا احتجاجًا على سياسات دولية. هذا الموقف عكس التزامه بقضايا شعبه، وهو ما انعكس أيضًا في أفلامه.
جوائز دريد لحام تكريمًا لمسيرته
خلال مسيرته الطويلة، حصل دريد لحام على العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى عام 1976، ووسام الاستحقاق اللبناني عام 2000. كما نال درع هيئة قصور الثقافة في مصر عام 2006، وشهادة دكتوراه فخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2010، تقديرًا لإسهاماته الفنية والإنسانية التي تجلت في أفلامه وأعماله الأخرى.