لطالما ارتبطت القطط في أذهان الناس بالغموض والحساسية الشديدة للمحيط، وهي كائنات استطاعت أن تحجز مكانة خاصة في الأساطير والثقافات عبر العصور. يتساءل الكثيرون عن قدرات القطط الحسية والبصرية التي تجعلها تتصرف أحيانًا وكأنها تتفاعل مع كائنات غير مرئية أو تتابع حركات لا يستطيع البشر إدراكها. فهل ترى القطط فعلاً ما لا نراه نحن؟ وهل تمتلك أدوات بصرية أو حواس أخرى تجعلها تستشعر عوالم خفية عنا؟ في هذا المقال، نغوص في عالم القطط من منظور علمي وبيولوجي لفهم قدراتها بشكل أوسع.
أقسام المقال
التركيبة الفريدة لعيون القطط
تتميز عيون القطط بتركيبة تشريحية فريدة تتيح لها استقبال الضوء بشكل أكثر كفاءة مقارنة بالعين البشرية. تحتوي شبكية العين على نسبة أعلى من الخلايا العصوية التي تتخصص في التقاط الضوء الخافت، وهو ما يمنح القطط قدرة على الرؤية في الظلام تتفوق بها على معظم الكائنات الأخرى. كما تمتلك القطط غشاءً عاكسًا خلف شبكية العين يُعرف باسم “Tapetum Lucidum” يعمل على إعادة توجيه الضوء نحو الخلايا الحساسة داخل العين، وهو ما يفسر توهج عيونها في الظلام عندما تسلط عليها إضاءة مباشرة.
الرؤية في الظلام والتمييز الحركي
لا تكتفي القطط بقدرتها على الرؤية الليلية، بل تتمتع أيضًا بقدرة عالية على رصد الحركات السريعة حتى في الإضاءة المنخفضة. يُعتقد أن هذه الميزة طورتها القطط خلال تطورها ككائنات صيادة ليلية، حيث ساعدها هذا على التقاط الفرائس الصغيرة التي تتحرك بسرعة، مثل القوارض والحشرات. بعكس الإنسان، فإن القطط لا تعتمد على رؤية التفاصيل الدقيقة بقدر ما تعتمد على القدرة على اكتشاف الحركة، وهو ما يجعلها تركز بشدة على أي تغيير طفيف في محيطها.
مجال الرؤية واتساع الزاوية
بفضل موضع عينيها على جانبي الرأس، تتمتع القطط بمجال رؤية واسع قد يصل إلى 200 درجة، ما يمنحها ميزة في اكتشاف الأشياء من الجانبين دون الحاجة لتحريك الرأس كثيرًا. على الرغم من ذلك، فإن الرؤية الثنائية (التي تسمح برؤية ثلاثية الأبعاد) أقل تطورًا مما هي عليه لدى الإنسان، مما يعني أن القطط قد تواجه صعوبة في تقدير المسافات بدقة في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإن هذا التنازل البصري يتم تعويضه بذكاء حركي وسرعة استجابة ممتازة.
الرؤية فوق البنفسجية
أظهرت أبحاث حديثة أن القطط قادرة على رؤية الأشعة فوق البنفسجية، وهي جزء من الطيف الضوئي لا تراه العين البشرية. هذا يفتح أمامها نافذة لرؤية علامات وعناصر في الطبيعة لا يمكن إدراكها بالعين المجردة. فعلى سبيل المثال، بعض النباتات والحيوانات تفرز مواد تعكس الأشعة فوق البنفسجية، مما يساعد القطط على تتبع الروائح أو العلامات التي تتركها الحيوانات الأخرى. كما أن هذا يفسر جزئيًا انجذاب القطط لبعض الأجسام أو الأماكن التي قد تبدو عادية بالنسبة لنا.
التمييز اللوني لدى القطط
القطط ليست عمياء للألوان كما يُشاع، لكنها ترى الألوان بشكل مختلف عما نراه. تمتلك عيون القطط نوعين فقط من الخلايا المخروطية المسؤولة عن تمييز الألوان، مما يعني أن قدرتها على تمييز اللونين الأحمر والأخضر محدودة. بالمقابل، تستطيع القطط رؤية الأزرق والبنفسجي والأخضر بدرجات متفاوتة. هذه القدرة المحدودة لا تعيق القطط في حياتها اليومية، بل تساعدها على التركيز على الحركة والتباين بدلاً من الاعتماد على تدرجات الألوان.
التفسير العلمي للسلوك الغريب
واحدة من أكثر الظواهر التي تثير تساؤلات محبي القطط هي تصرفاتها المفاجئة، كالتحديق في زاوية فارغة أو الجري المفاجئ نحو لا شيء. ورغم التفسيرات الخارقة التي تنتشر في الثقافات الشعبية، إلا أن العلم يرجح أن هذه السلوكيات غالبًا ما تكون نتيجة لاكتشاف القطط لمثيرات لا ندركها نحن، مثل أصوات ترددها مرتفع، أو تغير في ضغط الهواء، أو حتى انعكاسات ضوء بالكاد تُلاحظ. القطط كائنات شديدة الحساسية، وهذا ما يجعلها تتفاعل مع مؤثرات بسيطة بشكل درامي أحيانًا.
هل ترى القطط الأشباح؟
ينتشر الاعتقاد في بعض المجتمعات بأن القطط قادرة على رؤية الأشباح أو الأرواح، وهو أمر لا يستند إلى دليل علمي حتى الآن. في المقابل، ما نستطيع تأكيده هو أن القطط ترى أكثر مما نراه بفضل قدراتها الفسيولوجية المتقدمة، ما يجعلها ترصد حركات أو أصوات لا نستطيع إدراكها. هذه الحساسية العالية تجعل سلوكيات القطط محيرة للبعض، خاصةً عندما تقترن ببيئة هادئة أو مظلمة.
التكامل بين الحواس
لا تقتصر قدرات القطط على حاسة البصر فقط، بل تعتمد أيضًا على السمع والشم كوسائل فعالة لاستشعار البيئة. تمتلك القطط سمعًا دقيقًا يمكنها من سماع الترددات العالية التي تتجاوز قدرة الأذن البشرية، كما أن أنفها يحتوي على مستقبلات شمية أكثر بعشر مرات من تلك الموجودة لدى الإنسان. التكامل بين هذه الحواس يتيح للقطط بناء صورة ذهنية دقيقة عن محيطها، تجعلها تبدو كما لو كانت تستشعر أشياء غير مرئية.
خاتمة
رؤية القطط للعالم مختلفة تمامًا عن رؤيتنا له. إنها ترى في الظلام، وتلتقط إشارات فوق بنفسجية، وتتابع الحركات الخفية، وتفسر الإشارات الحسية بشكل معقد. ما يبدو غريبًا أو خارقًا أحيانًا هو في الغالب نتيجة لقدرات حسية متقدمة تطورت على مدى ملايين السنين لتجعل من القطط كائنات فريدة في تصرفاتها ورؤيتها. ومع ذلك، يظل جزء من سلوك القطط غامضًا، وهو ما يضفي عليها سحرًا خاصًا ويزيد من تعلقنا بها.