أدوار كلاب البحث والإنقاذ في الكوارث

في لحظات الانهيار، وسط الأنقاض والدخان، تظهر كائنات مدهشة تعمل في صمت وبلا كلل. إنها كلاب البحث والإنقاذ، التي أصبحت عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه في مواجهة الكوارث. فبفضل حواسها المتفوقة وقدرتها على المناورة في البيئات الصعبة، استطاعت هذه الكلاب أن تنقذ أرواح الآلاف حول العالم. ومع تطور تقنيات الإنقاذ، حافظت هذه الكلاب على دورها المحوري، بل وتعزز مع مرور الوقت.

لماذا تُستخدم الكلاب في الإنقاذ؟

يعود السبب الرئيسي لاستخدام الكلاب في مهام الإنقاذ إلى امتلاكها حاسة شم خارقة تفوق البشر بآلاف المرات. تستطيع الكلاب المدربة تمييز رائحة الإنسان حتى وإن كانت مطمورة تحت أنقاض المباني أو الثلوج أو داخل الحفر. بالإضافة إلى ذلك، فإن خفة حركتها وسرعتها تجعلها قادرة على التنقل في المناطق الوعرة بسرعة أكبر بكثير من البشر أو الروبوتات. كما أن وفاءها الشديد واستجابتها للأوامر يعززان من فعاليتها في مثل هذه المهام الحساسة.

أنواع الكلاب المستخدمة في فرق البحث والإنقاذ

ليست كل الكلاب مناسبة لهذا النوع من العمل. بعض السلالات تبرز بشكل خاص، مثل الراعي الألماني، اللابرادور، والبلجيكي المالينوي. وتُختار هذه السلالات لذكائها، قدرتها على التركيز لفترات طويلة، وسهولة تدريبها. كما تتمتع بأجسام قوية ومرنة تسمح لها بتحمل الإجهاد والعمل لساعات في ظروف صعبة.

خطوات تدريب الكلاب للإنقاذ

يتطلب تدريب الكلاب للبحث والإنقاذ عملية منظمة تبدأ من عمر مبكر. في البداية، يتم تدريب الكلب على الطاعة والاستجابة لأوامر بسيطة. بعدها، يتم تعريفه على روائح البشر المختلفة وتعليمه كيفية البحث عنها في بيئات متغيرة، مثل الأماكن المليئة بالركام أو الغابات. لاحقًا، يخضع الكلب لاختبارات حقيقية في ميادين محاكاة للكوارث، ويجب أن يُظهر كفاءة في تحديد مواقع “الضحايا”.

الأدوار التي تقوم بها كلاب الإنقاذ في مختلف الكوارث

تتعدد مهام الكلاب بحسب نوع الكارثة. ففي الزلازل، تبحث عن ناجين بين الأنقاض. في الفيضانات، تساعد في تحديد مواقع الضحايا على ضفاف الأنهار أو داخل المباني الغارقة. وفي حالات الانهيارات الجبلية أو الثلجية، تكون الكلاب مجهزة للعمل في درجات حرارة متدنية مع تجهيزات خاصة مثل الأحذية الواقية. بل إن بعضها يُستخدم في الحرائق الكبيرة لتحديد أماكن المصابين.

قصص واقعية تبرز براعة الكلاب في الإنقاذ

في زلزال هايتي عام 2010، ساهمت الكلاب في إنقاذ العشرات من تحت الأنقاض خلال الأيام الأولى. وفي انفجار مرفأ بيروت عام 2020، شاركت فرق إنقاذ لبنانية وأجنبية مزودة بكلاب مدربة في البحث بين الأبنية المنهارة. واحدة من أبرز القصص تعود إلى الكلبة “فريدا” المكسيكية التي اشتهرت عالميًا بعد إنقاذها عشرات الأشخاص خلال زلازل متعددة، مما جعلها رمزًا وطنيًا في بلادها.

الضغوط النفسية والصحية على الكلاب

رغم قوتها، فإن الكلاب تتعرض لإجهاد شديد خلال عملها. فهي تواجه بيئات خطرة، أصوات انفجارات، جثث، وأحيانًا تقضي ساعات دون نتائج إيجابية مما يسبب لها إحباطًا. ولذا، تخضع هذه الكلاب بعد كل مهمة لفحوصات بيطرية ونفسية، وتُمنح فترات راحة طويلة لتعافيها الجسدي والعاطفي.

دور المدرب والعلاقة مع الكلب

العلاقة بين الكلب والمدرب هي حجر الأساس في نجاح المهمات. فالثقة المتبادلة تجعل الكلب ينفذ الأوامر بدقة حتى في الظروف الخطرة. غالبًا ما يعيش المدرب مع الكلب ويقضي معه وقتًا طويلًا لبناء رابطة قوية. بعض الكلاب ترفض العمل مع مدربين جدد لأنها ترتبط بشدة بشريكها الأصلي.

التمويل والتجهيزات اللوجستية

تحتاج فرق الكلاب إلى تمويل كبير لتغطية تكاليف التدريب، الغذاء، الرعاية الصحية، والسفر إلى مناطق الكوارث. كما يجب تزويد الكلاب بمعدات مثل سترات الحماية، أحذية مقاومة للحرارة، وأدوات للتبريد أو التدفئة حسب البيئة. بعض المنظمات غير الحكومية تساهم بدور كبير في هذا المجال، لكن الحاجة تبقى أكبر من الموارد المتاحة.

خاتمة

لقد أثبتت كلاب البحث والإنقاذ أنها ليست مجرد أدوات إضافية في فرق الطوارئ، بل أبطال حقيقيون يعملون بصمت. فبفضل أنوفها الذكية وقلوبها المخلصة، تُمنح الحياة من جديد لأشخاص كادوا أن يُنسوا تحت الأنقاض. ومع تزايد وتيرة الكوارث، يبقى دعم هذه الكلاب وتطوير برامج تدريبها مسؤولية إنسانية ومجتمعية، تضمن أن تبقى هذه الأرواح النقية في الصفوف الأولى للإنقاذ.