عدد المسلمين في جيبوتي

تُعد جمهورية جيبوتي من الدول القليلة في إفريقيا التي تتمتع بتركيبة سكانية يغلب عليها طابع ديني موحد. ففي هذا البلد الصغير الواقع عند مضيق باب المندب، يُعتبر الإسلام ليس فقط دينًا رسميًا للدولة، بل أيضًا جزءًا أصيلًا من النسيج الثقافي والاجتماعي لسكانها. يستعرض هذا المقال بالأرقام والتحليل عدد المسلمين في جيبوتي، مع التطرق إلى الطوائف الإسلامية، وأثر الدين في الحياة العامة، وجذوره التاريخية، بالإضافة إلى بعض التحديات والفرص المرتبطة بالدين في الدولة الجيبوتية.

النسبة المئوية لعدد المسلمين في جيبوتي

تُشير التقديرات السكانية الأحدث حتى عام 2025 إلى أن عدد سكان جيبوتي يُقدّر بنحو 1.15 مليون نسمة، ويشكّل المسلمون ما نسبته تتراوح بين 96% إلى 98% من مجموع السكان. أي أن هناك أكثر من 1.1 مليون مسلم في البلاد، ما يجعلها من الدول التي تُهيمن فيها الديانة الإسلامية بشكل واضح. هذه النسبة المرتفعة لم تأتِ صدفة، بل هي نتيجة تاريخ طويل من التواصل الديني والثقافي مع الجزيرة العربية، نظرًا للقرب الجغرافي من اليمن والسعودية.

الديانة الرسمية والنظام الدستوري

بحسب الدستور الجيبوتي، يُعد الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. ومع أن الدستور ينص أيضًا على حرية الأديان، إلا أن الواقع العملي يعكس هيمنة واضحة للثقافة الإسلامية في كافة مفاصل الحياة السياسية والإدارية. فغالبية المسؤولين في الدولة ينتمون إلى الطائفة السنية، وغالبية السياسات الدينية تنبع من المرجعية الإسلامية التقليدية، خصوصًا المذهب الشافعي.

التوزيع الطائفي داخل الإسلام الجيبوتي

ينتمي أغلب المسلمين في جيبوتي إلى المذهب السني، وتحديدًا إلى المدرسة الشافعية التي تُعد الأكثر انتشارًا في شرق إفريقيا. وتُقدر نسبة أتباع المذهب السني الشافعي بما يزيد عن 90% من مسلمي البلاد. كما يوجد حضور محدود للطائفة الشيعية، التي تُقدر بنحو 2% من السكان، أغلبهم من الأصول اليمنية أو الإيرانية. هناك أيضًا عدد قليل من أتباع الطرق الصوفية، الذين يحافظون على شعائرهم في المناطق الريفية.

دور الإسلام في التعليم والثقافة

يُشكل الإسلام أحد الركائز الأساسية في النظام التعليمي في جيبوتي. تُدرّس التربية الإسلامية كمادة إلزامية في جميع المراحل الدراسية، كما تحتوي المناهج على مفاهيم الشريعة والأخلاق والسيرة النبوية. تنتشر الكتاتيب ومدارس تحفيظ القرآن الكريم في أنحاء متفرقة من البلاد، وتمثل أحد المصادر الأساسية لتعليم الأطفال مبادئ الدين في سن مبكرة.

المساجد والمؤسسات الدينية

تنتشر المساجد بشكل كبير في المدن والقرى الجيبوتية، وتلعب دورًا محوريًا في الحياة اليومية. في العاصمة جيبوتي، يمكن ملاحظة وجود عدد كبير من المساجد، من أبرزها جامع الحسن الثاني، الذي يُعد مركزًا دينيًا وتعليميًا هامًا. كما أن الحكومة تُشرف على الشؤون الدينية عبر وزارة الأوقاف، التي تُعنى بتعيين الأئمة ومراقبة الخطب الدينية وضمان توجيهها نحو التوعية والسلم الاجتماعي.

الاحتفالات والشعائر الدينية

يُظهر المجتمع الجيبوتي تعلقًا واضحًا بالمناسبات الدينية، حيث يُحتفل بشهر رمضان المبارك بطقوس خاصة، تشمل الإفطارات الجماعية، وإقامة الصلوات التراويحية، وتنظيم حلقات دينية لشرح القرآن والسنة. كما تُعد أعياد الفطر والأضحى مناسبات وطنية، تتوقف فيها جميع المرافق، ويُمارس فيها الشعب الجيبوتي طقوسًا اجتماعية تُعزز من التماسك الأسري والمجتمعي.

التاريخ الإسلامي لجيبوتي

ترجع بدايات الإسلام في جيبوتي إلى القرن السابع الميلادي، حين وصل إليها الصحابة الأوائل خلال هجرتهم الأولى إلى الحبشة. وقد ساعد الموقع الجغرافي لجيبوتي، المحاذي للساحل اليمني، على تسهيل تدفق الدعوة الإسلامية منذ بداياتها. منذ ذلك الحين، تحوّل الإسلام إلى جزء لا يتجزأ من هوية الشعب الجيبوتي، وتوارثته الأجيال على مر القرون، حتى بات رمزًا للثبات والاستقرار الاجتماعي.

التعايش الديني وحرية المعتقد

رغم الغالبية المسلمة، إلا أن جيبوتي تُعد مثالًا على التسامح الديني، حيث تعيش أقليات مسيحية (كاثوليكية وأرثوذكسية) في العاصمة، إلى جانب عدد محدود من أتباع الديانات الأخرى. وغالبًا ما تُمارس هذه الأقليات شعائرها دون مضايقة تُذكر، مما يعكس حالة من الانسجام النسبي داخل المجتمع، بالرغم من بعض التحديات القانونية التي قد تواجه غير المسلمين، خصوصًا في ما يتعلق بالأحوال الشخصية والزواج المختلط.

التحديات الدينية في ظل العولمة

مثل غيرها من دول المنطقة، تواجه جيبوتي تحديات تتعلق بتأثيرات العولمة والفضاء الرقمي على المفاهيم الدينية، وظهور بعض التيارات المتطرفة التي قد تستغل الفقر والبطالة لبث أفكارها. ولذا تعمل الدولة والمؤسسات الدينية على تقديم خطاب ديني معتدل يُعزز من الانتماء الوطني، ويُواجه الأفكار الغريبة على المجتمع الإسلامي الجيبوتي، مع التركيز على القيم الوسطية والتسامح والاحترام.

الخلاصة

يُشكّل المسلمون في جيبوتي الغالبية المطلقة من السكان، ويُعتبر الإسلام مكونًا أساسيًا لهوية الدولة والمجتمع على حد سواء. هذا الحضور القوي للدين الإسلامي لا ينعكس فقط في الشعائر والممارسات اليومية، بل يمتد إلى القوانين والتعليم والثقافة العامة. ومع أن جيبوتي بلد صغير من حيث المساحة والسكان، إلا أن تجربتها الدينية تمثل نموذجًا للتوازن بين المحافظة الدينية والانفتاح المجتمعي، ما يجعلها بيئة مهيأة للنمو الروحي والثقافي المتوازن في منطقة القرن الإفريقي.