نساء السودان 

لطالما كانت المرأة السودانية أحد الأعمدة الصلبة في بناء المجتمع، فقد نسجت حضورها بثقة في ميادين السياسة والتعليم والاقتصاد والعمل المجتمعي، متحدّية العقبات التي فرضتها الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. رغم تقلبات الحكم وتبدّل السياسات وتنامي الأزمات، لم تتراجع المرأة السودانية، بل واصلت النهوض بمكانتها وتوسيع أدوارها داخل المجتمع وخارجه.

حضور متجذر في التاريخ السوداني

يمتد تأثير المرأة السودانية عبر العصور، من عهد الممالك القديمة في كوش ومروي، حيث ظهرت الملكات المحاربات كـ”أماني ريناس” و”أماني شاخيتو”، إلى العصر الحديث، حيث كانت النساء جزءًا لا يتجزأ من الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار. منذ ستينيات القرن الماضي، دخلت المرأة مجال السياسة بشكل متدرج، وساهمت في النضال ضد الأنظمة الشمولية، وبرزت رموز نسائية في الصفوف الأولى للثورات.

نساء في طليعة الثورات

عُرفت المرأة السودانية بدورها البارز في ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، إلا أن ذروته ظهرت جلية في ثورة ديسمبر 2018، حين تحوّلت النساء إلى أيقونات للمقاومة. قدن المواكب، أنشأن لجان المقاومة، ووثّقن الانتهاكات في الشوارع، مما لفت أنظار العالم إلى قوة المرأة السودانية وقدرتها على التنظيم والتأثير. مصطلح “الكنداكة”، المشتق من التاريخ النوبي، عاد للواجهة ليعبر عن بطولات النساء السودانيات في ساحات النضال.

التعليم بوابة التمكين الأولى

يُعد التعليم أحد أكثر المجالات التي استطاعت المرأة السودانية اقتحامها بقوة. منذ بداية القرن العشرين، ومع تأسيس مدارس الفتيات، بدأت الفتيات في دخول حقل التعليم بصورة منتظمة. واليوم، تُسجل الجامعات السودانية تفوقًا عدديًا ونوعيًا للطالبات، وخاصة في مجالات الطب والهندسة والعلوم الاجتماعية. هذا التقدّم التعليمي لعب دورًا مهمًا في تمكين النساء من كسر الصور النمطية والانخراط في سوق العمل والمجال العام بثقة.

العمل السياسي والقيادي: الطريق لا يزال طويلاً

رغم دخول النساء إلى المجالس التشريعية والوزارات، فإن تمثيلهن في مواقع صنع القرار لا يزال محدودًا. غالبًا ما يُقصين من التعيينات السياسية والمفاوضات، كما حصل في اتفاقية جوبا للسلام، مما خلق فجوة واضحة بين الدور الذي تلعبه النساء في الحراك الشعبي، والدور الذي يُسمح لهن بلعبه رسميًا. لكن مع الضغط المحلي والدولي، هناك تحسن تدريجي نحو دمج النساء في العملية السياسية بشكل أكثر عدالة.

المرأة والاقتصاد: مقاومة الفقر بالأمل والمشاريع

تعاني المرأة السودانية، خاصة في الأرياف والمناطق المتأثرة بالنزاع، من تحديات اقتصادية خانقة، أبرزها ارتفاع معدلات الفقر وقلة فرص العمل. ومع ذلك، تُظهر النساء مرونة لافتة في إطلاق المشاريع الصغيرة، كصناعة الأغذية والمشغولات اليدوية، رغم ضعف التمويل وغياب الدعم الحكومي. الأسواق الشعبية في الخرطوم ومدني وكسلا تشهد على مساهمة النساء في الاقتصاد غير الرسمي، وهو ما يتطلب دمجه ضمن خطط الدولة التنموية.

المرأة في مناطق النزاع: صمود رغم الجراح

في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تدفع النساء ثمن النزاعات المسلحة. فقدن الأمان، وتعرضن للعنف الجنسي، وتهجرن من قراهن. ورغم ذلك، أنشأن مبادرات لمساعدة النازحين، وتنظيم ورش توعية ضد العنف، والتدريب على مهارات الحياة والاعتماد الذاتي. دور المرأة في مناطق الحرب لا يقتصر على الصبر، بل يشمل قيادة التغيير من تحت الركام.

الصحة الإنجابية والنفسية: ملف مهمش بحاجة للضوء

تُعاني النساء السودانيات من نقص حاد في خدمات الصحة الإنجابية، لا سيما في المناطق الطرفية، حيث تقل المراكز الصحية، وتغيب المتابعة الطبية الأساسية. كما يُهمل الجانب النفسي في رعاية النساء اللواتي يتعرضن للعنف أو فقدان أفراد من أسرهن بسبب النزاعات. ويُعد هذا الملف من أكثر القضايا التي تحتاج إلى تدخل الدولة والمنظمات لتوفير بيئة صحية تحمي المرأة من الأمراض الجسدية والضغوط النفسية.

المرأة السودانية في الإعلام والفنون

برزت العديد من النساء في الإعلام السوداني، سواء في تقديم البرامج أو الصحافة أو التصوير الفوتوغرافي. كما تألقت المرأة في مجالات الغناء، الشعر، المسرح، والسينما، رغم القيود الاجتماعية. نساء مثل هاجر سليمان في الصحافة، وندى القلعة في الغناء الشعبي، أسهمن في تشكيل الرأي العام والهوية الثقافية للمرأة السودانية.

نحو مستقبل أكثر عدالة وتمكينًا

لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجه المرأة السودانية، لكن من الظلم أيضًا إغفال قوتها وعزيمتها. التحول الإيجابي يتطلب إعادة صياغة القوانين، وتمويل مبادرات تمكين المرأة، وتغيير العقلية الذكورية في مفاصل الدولة والمجتمع. من خلال التعليم، والعدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص، يمكن للسودان أن يبني مستقبلاً تستعيد فيه النساء دورهن الطبيعي كشريكات حقيقيات في الوطن.