نساء جنوب السودان 

نساء جنوب السودان يقفن على مفترق طرق بين التقاليد الراسخة التي تقيد أدوارهن المجتمعية، وبين تطلعات متنامية نحو الحرية والمساواة والتمكين. منذ استقلال البلاد عام 2011، برزت تحديات أمنية واقتصادية أثرت بشكل مباشر على حياة المرأة، وجعلتها في صدارة من يدفع ثمن الصراعات والفقر. ومع ذلك، فإن المرأة الجنوب سودانية تُظهر المرونة والصمود لافتًا للنظر، حيث تقاوم الانكسار وتنخرط في مجالات متعددة رغم المعوقات.

المرأة في قلب النزاعات المسلحة

منذ اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 2013، كانت النساء من أكثر الفئات تضررًا. فقدن الأمان والمأوى، وتعرضن للعنف الجنسي كأداة من أدوات الحرب، وشُرّدن قسرًا داخل البلاد وخارجها. العديد من النساء أصبحن المعيلات الوحيدات لأسرهن بعد مقتل أو اختفاء الأزواج، واضطررن لتحمل مسؤوليات مضاعفة في بيئات عدائية تفتقر لأبسط مقومات الحياة. ومع ذلك، تحوّلت العديد من النساء إلى رائدات في مجتمعاتهن داخل معسكرات النزوح أو المجتمعات المضيفة.

العنف القائم على النوع الاجتماعي: واقع مرير

تُعد معدلات العنف الجنسي في جنوب السودان من بين الأعلى عالميًا، حيث تعاني النساء والفتيات من الاعتداءات والانتهاكات بشكل شبه يومي، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاعات. الزواج القسري وتزويج القاصرات ما يزالان شائعين، وتُمارس على النساء ضغوط اجتماعية وصمت مؤسسي يُغلق باب العدالة أمام الضحايا. رغم ذلك، بدأت مبادرات نسوية محلية في كسر هذا الصمت، من خلال حملات التوعية وبناء شبكات دعم مجتمعي للناجيات.

الصحة الإنجابية والحقوق الصحية

تعاني النساء في جنوب السودان من تدهور كبير في الخدمات الصحية، وخصوصًا تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية. لا تتوفر في كثير من المناطق خدمات الولادة الآمنة أو الرعاية السابقة واللاحقة للولادة. كما أن الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة يظل محدودًا، مما يزيد من معدل الوفيات بين الأمهات ويؤثر سلبًا على الصحة العامة للمرأة. وتُبذل جهود من قبل منظمات إغاثية لتوفير عيادات متنقلة وخدمات أساسية، لكنها لا تكفي لتغطية الحاجة المتزايدة.

التعليم: باب التغيير المغلق جزئيًا

التعليم يُمثل بوابة حقيقية لتحرير المرأة الجنوب سودانية، لكنه لا يزال بعيد المنال عن الكثيرات. نسبة الأمية بين النساء مرتفعة للغاية، ويُعد تسرب الفتيات من المدارس أمرًا شائعًا بسبب الزواج المبكر أو الأعباء المنزلية. وفي بعض المناطق، تُفضل العائلات تعليم الذكور فقط. تُسهم منظمات المجتمع المدني في توفير منح ودورات محو أمية للفتيات، وتحاول إدماج المرأة في برامج التعليم غير النظامي لتقليص الفجوة.

التمكين الاقتصادي: فرص صغيرة وتحديات ضخمة

في ظل الظروف الاقتصادية المتردية، باتت المرأة تبحث عن سُبل للنجاة من الفقر. تلجأ العديد من النساء إلى الأعمال الصغيرة مثل بيع الطعام، والحرف اليدوية، والزارعة البسيطة. ورغم أن التمويل والدعم الفني محدودان، فإن هذه المبادرات تُشكل نواةً لتمكين اقتصادي قد يمتد مستقبلاً. تعمل بعض الجمعيات على تقديم تدريبات مهنية ودورات في الإدارة المالية، ما يمنح النساء أدوات لتوسيع مشاريعهن وتحقيق دخل مستدام.

المشاركة السياسية وصناعة القرار

بفضل اتفاقية السلام الموقعة عام 2018، تم تخصيص 35% من المناصب الحكومية للنساء، في خطوة جريئة نحو إشراكهن في الحياة السياسية. ومع أن التنفيذ ما يزال يعاني من عراقيل، إلا أن عددًا من النساء تمكنّ من تولي مناصب وزارية وبرلمانية. تدعو الأصوات النسوية إلى مزيد من الحماية للمكتسبات السياسية، وضمان عدم استخدام النساء كأدوات تزيينية في المشهد العام.

التقاليد الثقافية: قيود وقوة في آنٍ واحد

تلعب الثقافة دورًا مزدوجًا في حياة نساء جنوب السودان. من جهة، تُشكل الأعراف والمعتقدات عائقًا أمام التغيير، وتُكرس أدوارًا تقليدية متصلبة. ومن جهة أخرى، تُعتبر بعض الفنون التقليدية مثل الغناء والرقص والحياكة وسائل تعبير نسوية تُستخدم في الحفاظ على الهوية والمقاومة الثقافية. النساء أنفسهن يحاولن اليوم إعادة تعريف هذه التقاليد بطريقة تدعم حقوقهن وتبرز قدراتهن.

مبادرات شبابية ونسوية واعدة

شهدت السنوات الأخيرة انطلاقة لمبادرات شبابية تقودها نساء جنوبيات، تهدف إلى نشر ثقافة السلام، والمصالحة، والتعليم، ومناهضة العنف. تُعد هذه المبادرات نواة لحركة نسوية صاعدة في جنوب السودان. عبر ورش عمل، وحملات ميدانية، ومسرح تفاعلي، استطاعت النساء جذب انتباه المجتمعات المحلية لقضاياهن الجوهرية، وخلق حوار داخلي حول دور المرأة الجديد في مجتمع يتغير ببطء.

خاتمة: الطريق الطويل نحو المساواة

نساء جنوب السودان لا ينتظرن المعجزات. إنهن يصنعن مستقبلهن بأيديهن، رغم شح الموارد وقسوة الظروف. يحتاجن إلى دعم مستدام وممنهج من الحكومات، والمجتمع الدولي، والمنظمات، لتجاوز التحديات. ومع تصاعد الوعي بأهمية دور المرأة في التنمية والسلام، يُمكن الأمل أن يكون واقعًا قابلاً للتحقق، فقط إذا أُعطيت المرأة الجنوب سودانية المساحة والوسيلة لتُبدع وتقود.