نساء نيجيريا 

في قلب غرب أفريقيا، تقف نيجيريا كواحدة من أكثر الدول تنوعًا من حيث الأعراق والثقافات، وتبرز فيها المرأة النيجيرية كركيزة أساسية في النسيج المجتمعي والاقتصادي والسياسي. ورغم هذا الدور الحيوي، لا تزال نساء نيجيريا يعانين من تحديات متجذرة ترتبط بالثقافة، والدين، والسياسة، والاقتصاد. هذا المقال يُسلّط الضوء على وضع المرأة النيجيرية في مختلف الجوانب، ويكشف النقاب عن قصص كفاح يومية، ومسارات نجاح ملهمة، وجهود متنامية نحو تمكين المرأة في بلد يخطو بخطوات متباينة نحو التغيير.

التعليم: حجر الأساس المتأرجح

تُعَد الفجوة التعليمية بين الجنسين في نيجيريا من أبرز العقبات التي تواجه الفتيات، لا سيما في الشمال، حيث تؤثر التقاليد المحافظة والفقر على فرص التعليم. لا تزال نسبة الأمية بين النساء مرتفعة، خصوصًا في المناطق الريفية، إذ تُفضل الأسر تزويج الفتيات في سن مبكرة بدلًا من إلحاقهن بالمدارس. ومع ذلك، فقد بدأت تظهر مبادرات حكومية ومجتمعية تهدف إلى تعزيز تعليم الفتيات، مثل برامج المنح الدراسية ومراكز التعليم غير النظامي، مما يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية التعليم كأداة تمكين.

الزواج المبكر: قيد يحد من الطموح

يُعد الزواج المبكر ظاهرة واسعة الانتشار في نيجيريا، إذ تُزوج الفتيات في كثير من الأحيان قبل بلوغ سن 18. هذه الظاهرة تؤدي إلى انقطاع الفتيات عن التعليم وتُعرضهن لمخاطر صحية ونفسية جسيمة. الفقر، والضغط الأسري، والعادات الاجتماعية، كلها عوامل تُسهم في استمرار هذه الممارسة، رغم أنها تتعارض مع حقوق الطفولة. تسعى منظمات المجتمع المدني للحد من هذه الظاهرة من خلال التوعية والتشريع، لكن التنفيذ لا يزال يواجه عقبات متعلقة بالبنية الاجتماعية.

الصحة الإنجابية: تحديات تتطلب إصلاحًا عميقًا

الصحة الإنجابية تمثل تحديًا بارزًا للنساء النيجيريات، حيث تواجه العديد منهن صعوبة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، خاصة في المناطق النائية. يضاف إلى ذلك القيود الدينية والاجتماعية التي تحد من إمكانية حصول النساء على وسائل منع الحمل أو الاستشارات الطبية المتعلقة بالحمل والولادة. كما تشهد البلاد نسبًا مرتفعة لوفيات الأمهات، بسبب نقص التجهيزات الطبية والكوادر المدربة. الإصلاحات المطلوبة في هذا القطاع لا تقتصر على البنية التحتية، بل تشمل أيضًا إعادة صياغة السياسات الصحية بما يراعي احتياجات النساء.

العنف القائم على النوع: مشكلة مستمرة رغم التشريعات

تتعدد أشكال العنف الموجه ضد النساء في نيجيريا، بدءًا من العنف الأسري، ووصولًا إلى الاعتداءات الجنسية، والاتجار بالبشر. ورغم وجود قوانين مثل قانون “العنف ضد الأشخاص” لعام 2015، فإن تطبيق هذه القوانين يظل محدودًا، خاصة في المناطق التي تُهيمن فيها العادات القبلية على النظام القانوني. الوعي المجتمعي لا يزال في حاجة إلى تعزيز، إضافة إلى ضرورة تدريب الشرطة والقضاة للتعامل مع قضايا العنف بحساسية وكفاءة.

التمكين الاقتصادي: أمل محفوف بالتحديات

تشكل النساء نسبة كبيرة من القوى العاملة في نيجيريا، وخاصة في قطاعات الزراعة، والتجارة، والخدمات، لكن غالبيتهن يعملن في القطاع غير الرسمي دون ضمانات قانونية أو تأمينات. كما تواجه النساء صعوبات في الحصول على التمويل والدعم الفني لتأسيس مشاريعهن الخاصة. ورغم وجود برامج دعم من الحكومة والبنوك، فإن الوصول إليها يتطلب تجاوز حواجز بيروقراطية وثقافية. تمكين المرأة اقتصاديًا لا يعني فقط تحسين دخلها، بل تعزيز قدرتها على اتخاذ القرارات داخل الأسرة والمجتمع.

المرأة في السياسة: حضور خجول لكنه واعد

لا تزال نسبة تمثيل النساء في البرلمان النيجيري والوظائف الحكومية العليا ضعيفة للغاية، رغم أن المرأة شاركت بقوة في الحركات النضالية خلال العقود الماضية. عوامل مثل الذكورية السياسية، وقلة الدعم المالي، والخوف من العنف السياسي، تضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية. ومع ذلك، فإن ظهور شخصيات نسائية قيادية في السنوات الأخيرة يُعطي الأمل في إمكانية التغيير، شريطة توفير بيئة سياسية آمنة ومشجعة.

دور المجتمع المدني والإعلام

برزت منظمات المجتمع المدني كقوة دافعة لتمكين النساء النيجيريات، عبر حملات التوعية، والدعم القانوني، والتدريب المهني. كما لعب الإعلام، خصوصًا وسائل التواصل الاجتماعي، دورًا مهمًا في فضح الانتهاكات، وتسليط الضوء على قصص النجاح النسائي. وقد ساعد ذلك في بناء وعي جماهيري بضرورة المساواة، وفتح مساحات حوارية جديدة تتيح للنساء التعبير عن آرائهن بحرية.

النساء في الثقافة والفنون

شهدت الساحة الثقافية في نيجيريا بروز العديد من النساء في مجالات الأدب، والسينما، والموسيقى. من خلال أعمالهن، نقلن قضايا النساء إلى جمهور واسع محليًا وعالميًا. ويُعد هذا المجال مساحة بديلة للتعبير والمقاومة، حيث يمكن للمرأة أن تُعيد تشكيل الرواية الثقافية بعيدًا عن التنميط، وتُسهم في تغيير الصورة النمطية للمرأة في المجتمع.

الخاتمة: مستقبل المرأة النيجيرية بين الأمل والعمل

تعيش المرأة النيجيرية واقعًا مزدوجًا بين التهميش والقدرة على التغيير. التحديات كثيرة، لكنها ليست مستعصية. التمكين الحقيقي للنساء يتطلب عملًا مشتركًا بين الدولة، والمجتمع، والمرأة نفسها. ومع تصاعد الأصوات النسائية المطالِبة بالعدالة، وتزايد المبادرات الداعمة، فإن الطريق نحو مستقبل أكثر إنصافًا بات واضحًا، وإن لم يزل طويلاً.