نساء السنغال

المرأة السنغالية ليست مجرد نصف المجتمع، بل هي القلب النابض له، والمحرك الخفي للكثير من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذا البلد الواقع في غرب إفريقيا. وعلى الرغم من أن السنغال تُعد من الدول الإسلامية ذات التقاليد الاجتماعية الراسخة، فإن النساء فيها استطعن، بذكاء وصبر ومثابرة، أن يشققن طريقهن في مختلف مجالات الحياة، محافظات في الوقت نفسه على هوية ثقافية غنية ومتنوعة. في هذا المقال، نسلط الضوء على واقع نساء السنغال، بين التحديات والإنجازات، في صورة بانورامية حديثة حتى مايو 2025.

التمكين السياسي في السنغال: من التهميش إلى القيادة

برزت المرأة السنغالية بشكل واضح على الساحة السياسية خلال العقدين الأخيرين، خاصة بعد إقرار قانون المساواة بين الجنسين في القوائم الانتخابية عام 2010. اليوم، تبلغ نسبة النساء في البرلمان أكثر من 41%، وهي من الأعلى في إفريقيا. هذه الخطوة لم تكن سهلة، بل سبقتها نضالات قادتها منظمات نسائية، أبرزها شبكة النساء الإفريقيات. ورغم التقدم في التمثيل التشريعي، لا يزال تمثيل المرأة في السلطة التنفيذية متراجعًا، إذ لم تتجاوز نسبته 13% في الحكومة الجديدة، مما فتح نقاشًا واسعًا حول ضرورة تحقيق التوازن في مراكز صنع القرار.

ريادة الأعمال النسائية في السنغال: نساء يصنعن اقتصادًا بديلًا

تمتلك النساء في السنغال حسًا رياديًا فطريًا، يظهر جليًا في الأسواق الشعبية، ومشاريع الصناعات الغذائية، والأعمال اليدوية التي تُعد من عناصر الاقتصاد غير الرسمي الحيوي. وعلى الرغم من الصعوبات مثل نقص التمويل وصعوبة الوصول إلى التكنولوجيا، أطلقت الدولة برامج مثل “PAVIE II” و”DER” لدعم رائدات الأعمال الشابات وتمويل مشروعاتهن. كما تُشجع المبادرات الخاصة على إدماج النساء في سلاسل القيمة الزراعية والصناعية.

التعليم وتمكين الفتيات في السنغال: معركة ضد الأمية والتقاليد

رغم التقدم في معدلات الالتحاق بالمدارس، إلا أن الفجوة بين الذكور والإناث لا تزال قائمة، خاصة في الأرياف. تسعى الحكومة بالتعاون مع شركاء دوليين إلى توفير بيئة تعليمية مناسبة للفتيات، من خلال بناء المدارس النموذجية، وتقديم الحوافز للأسر التي تُرسل بناتها إلى التعليم. كما تُبذل جهود كبيرة لمحاربة زواج القاصرات، الذي يُعد من أبرز معوقات تعليم الفتاة.

الصحة الإنجابية: تطلعات نحو خدمات أكثر عدالة

تمثل الصحة الإنجابية أحد المحاور الأساسية لتمكين النساء، إلا أن الكثير من النساء في المناطق النائية يعانين من نقص الخدمات الصحية الأساسية. تُوفر الحكومة بالتعاون مع منظمات أممية برامج مثل العيادات المتنقلة والتوعية بخطورة الولادة خارج المستشفيات. كما تتلقى القابلات التقليديات تدريبات لضمان سلامة الأمهات والمواليد.

مواجهة العنف القائم على النوع في السنغال: وعي يتصاعد

يُعتبر العنف ضد النساء قضية مسكوتًا عنها لفترات طويلة في السنغال، غير أن حملات التوعية المكثفة، مثل حملة “Sama Yone” (جسدي ملكي)، ساهمت في كسر الصمت حول هذه الظاهرة. يتم اليوم دعم الضحايا من خلال مراكز إيواء، واستشارات نفسية وقانونية، وتُطرح مبادرات تشريعية لفرض عقوبات مشددة على المعتدين. ولا تزال التحديات قائمة، خاصة في ما يتعلق بإثبات الجرائم في ظل الأعراف الاجتماعية المحافظة.

النساء والزراعة: العمود الفقري للريف السنغالي

تُشكل النساء حوالي 70% من القوى العاملة في الزراعة بالسنغال، لكنهن يملكن أقل من 10% من الأراضي الزراعية. هذا التفاوت يدفع إلى مطالبات بإصلاح قانون الأراضي وتسهيل تمويل النساء المزارعات. وقد شهدت السنوات الأخيرة مبادرات ملهمة مثل مشروع “نساء الزراعة العضوية” الذي يمكّن النساء من إنتاج وتسويق منتجات خالية من المبيدات، ما يعزز الأمن الغذائي ويحافظ على البيئة.

الثقافة والهوية: من الأزياء إلى الفن المقاوم

لا تُعد الثقافة في السنغال مجالًا ذكوريًا بحتًا، بل تُشكّل النساء فيه قوة ناعمة مؤثرة. من خلال الأزياء التقليدية مثل “البوبو”، والأغاني الشعبية، والرقصات الصوفية، تعبر النساء عن أنفسهن وهويتهن. كما ظهرت فنانات مثل “سوكنا نداي” و”أستا ثيون” اللواتي يستخدمن المسرح والرسم كأدوات لمناصرة قضايا المرأة، من التعليم إلى الحريات الفردية.

نساء السنغال في الشتات: سفراء لقضايا الوطن

تلعب النساء السنغاليات في المهجر دورًا مهمًا في تعزيز صورة بلدهن. فبعضهن ينجحن في مجالات الطب، والبحث العلمي، والإعلام في أوروبا وأمريكا، ويستخدمن منصاتهن للدفاع عن حقوق النساء داخل السنغال. كما تُساهم تحويلاتهن المالية في دعم أسرهن وبناء مشاريع تنموية في المناطق الريفية.

التحديات القادمة لنساء السنغال: بين الواقع والطموح

رغم التقدم النسبي في مختلف المجالات، لا تزال نساء السنغال يُواجهن تحديات بنيوية تتعلق بالتمييز الاقتصادي، وضعف الحماية القانونية، وسقف الطموحات الاجتماعية المنخفض. لتحقيق مساواة حقيقية، تحتاج البلاد إلى سياسات تمييز إيجابي، واستثمارات في التعليم العالي للفتيات، وحملات مستمرة لتغيير الصورة النمطية عن المرأة.