عملة أنجولا 

تُعد الكوانزا أكثر من مجرد عملة وطنية في أنجولا، فهي تجسيد لهوية البلد واستقلاله المالي بعد سنوات طويلة من الاحتلال البرتغالي. الكوانزا ليست مجرد أوراق نقدية أو عملات معدنية، بل مرآة تعكس تحولات أنجولا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومنذ أن وُضعت قيد التداول بعد الاستقلال، عايشت الكوانزا فترات من الازدهار والانكماش، وشهدت مراحل متعاقبة من الإصلاحات الاقتصادية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بواقع الدولة وتوجهاتها المستقبلية. في هذا المقال، نستعرض بتفصيل تاريخ الكوانزا، وواقعها الحالي، وسعر صرفها، والضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها، والتوقعات المستقبلية.

تاريخ الكوانزا في أنجولا: من الاستقلال إلى الإصلاحات النقدية

بعد استقلال أنجولا في عام 1975، وضمن مساعي بناء دولة ذات سيادة كاملة، أُقر في عام 1977 اعتماد عملة وطنية جديدة أُطلق عليها اسم “الكوانزا”، نسبةً إلى نهر كوانزا الشهير الذي يُعد رمزًا وطنيًا. كانت النسخة الأولى من العملة تُعرف اختصارًا بـ(AOK). ومع تفاقم التضخم خلال الثمانينيات، أُدخلت عملة جديدة تُعرف بـ”الكوانزا المعدلة” (AOR) في أوائل التسعينيات بمعدل تحويل 1,000 إلى 1. لم تصمد هذه العملة طويلًا بسبب الأزمات الاقتصادية الحادة، فتم استبدالها في عام 1995 بـ”كوانزا إعادة التعديل” (AON)، لكنها واجهت نفس مصير سابقاتها. أخيرًا، في عام 1999، تم إصدار العملة المعتمدة حاليًا، الكوانزا الجديدة (AOA)، بمعدل تحويل 1,000,000 إلى 1، كجزء من خطة جذرية للسيطرة على التضخم المفرط.

الخصائص الحالية للكوانزا: الفئات والتداول

تحمل الكوانزا الحالية الرمز الدولي AOA وتُكتب في التعاملات اليومية بالرمز “Kz”. يتم تداول الأوراق النقدية بفئات 200، 500، 1000، 2000، 5000، و10,000 كوانزا. أما العملات المعدنية فتشمل فئات 1، 5، 10، 50 سنتيمو، و1 و5 كوانزا، رغم أن معظم المعاملات اليومية تُجرى باستخدام الأوراق النقدية نظرًا لانخفاض القيمة الشرائية للفئات المعدنية. تتميز العملات الورقية بتصميمات تعكس التراث الأنجولي، وتُظهر وجوهًا لشخصيات وطنية مهمة ومعالم ثقافية. يتولى البنك الوطني الأنجولي إصدار العملة والتحكم في السياسة النقدية.

سعر صرف الكوانزا مقابل الدولار الأمريكي في عام 2025

منذ بداية عام 2025، أظهر سعر صرف الكوانزا استقرارًا نسبيًا أمام الدولار الأمريكي، وهو ما يُعد تطورًا إيجابيًا مقارنة بالتقلبات الحادة التي شهدتها العملة في السنوات السابقة. في يناير 2025، بلغ سعر صرف الدولار حوالي 912 كوانزا، بينما ارتفع تدريجيًا ليصل إلى نحو 917.5 كوانزا في أبريل. ويعود هذا الاستقرار إلى جهود البنك المركزي في تقليل الطلب على الدولار في السوق السوداء، بالإضافة إلى تحسين آليات ضخ العملة الأجنبية في السوق الرسمية، لا سيما من خلال الإيرادات النفطية.

التضخم في أنجولا: التحديات والآفاق المستقبلية

يُعد التضخم واحدًا من أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجه أنجولا، حيث يؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين واستقرار العملة. بلغ معدل التضخم السنوي في مارس 2025 حوالي 23.85%، وهي نسبة مرتفعة، رغم أنها أقل من المعدلات التي سجلتها السنوات السابقة. البنك الوطني الأنجولي يستهدف خفض هذه النسبة إلى 17.5% بنهاية العام، من خلال سياسات نقدية متشددة ومراقبة أسعار السلع الأساسية. تتأثر معدلات التضخم بمتغيرات متعددة، منها أسعار الوقود، ونسبة الاعتماد على الاستيراد، وسعر صرف العملة.

السياسة النقدية للبنك الوطني الأنجولي في عام 2025

في سياق السيطرة على التضخم وتحقيق استقرار السوق، قرر البنك الوطني الأنجولي الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند 19.5%، وهي نسبة مرتفعة تهدف إلى تقليل الإنفاق وتحفيز الادخار. كذلك خفض البنك نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك التجارية إلى 20%، لتوفير مزيد من السيولة في السوق وتشجيع تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. يعكس هذا التوازن في السياسات النقدية رغبة البنك المركزي في السيطرة على التضخم دون كبح النشاط الاقتصادي.

التحديات الاقتصادية وتأثيرها على الكوانزا

تعتمد أنجولا بشكل رئيسي على صادرات النفط، وهو ما يجعل اقتصادها هشًا أمام تقلبات أسعار الخام في الأسواق العالمية. وفي عام 2025، ورغم استقرار نسبي في أسعار النفط، إلا أن الاقتصاد الأنجولي لا يزال يعاني من تبعات تقليص الدعم الحكومي، خاصة في قطاع الطاقة. أدى رفع أسعار الوقود، وخاصة الديزل، بنسبة تصل إلى 50%، إلى زيادة كلفة النقل وارتفاع أسعار السلع، ما أدى بدوره إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين وزيادة الضغوط على الكوانزا. كما أن انخفاض الاستثمارات الأجنبية نتيجة التوترات السياسية والاجتماعية يضيف عبئًا آخر على العملة.

الكوانزا في حياة المواطن الأنجولي

تلعب الكوانزا دورًا محوريًا في حياة المواطن الأنجولي، ليس فقط باعتبارها أداة للتبادل، بل كمؤشر على الوضع الاقتصادي العام. ارتفاع أسعار السلع، وتآكل الرواتب بفعل التضخم، جعل من قيمة الكوانزا مسألة يومية تمس حياة الناس بشكل مباشر. ويُفضل بعض المواطنين الاحتفاظ بمدخراتهم بالدولار الأمريكي أو اليورو كنوع من التحوط، وهو ما يخلق ضغطًا إضافيًا على العملة المحلية. على الرغم من الجهود الحكومية، فإن الثقة العامة في استقرار الكوانزا لا تزال تحتاج إلى تعزيز من خلال سياسات شفافة وفعالة.

الآفاق المستقبلية للكوانزا والاقتصاد الأنجولي

تسعى الحكومة الأنجولية إلى تنويع اقتصادها لتقليل الاعتماد على النفط، وذلك من خلال دعم قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات. كما تعمل على تحسين مناخ الاستثمار وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال. وتُبشر المؤشرات المبدئية بإمكانية تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.1% خلال عام 2025. إذا ما تمكّنت الدولة من تنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، فإن الكوانزا قد تستعيد جزءًا كبيرًا من استقرارها وقيمتها. غير أن هذا السيناريو الإيجابي يبقى مرهونًا بتضافر الجهود على المستويين الحكومي والمجتمعي.