في عالم الفن الخليجي، هناك عائلات شكلت وجدان الأجيال وخلّدت أسماؤها من خلال أعمالها المتنوعة والمؤثرة، ومن أبرز تلك العائلات عائلة الشرقاوي البحرينية. برز من هذه العائلة اسمان لامعان هما فوز الشرقاوي وشقيقتها في الشرقاوي، اللتان سلكتا دروب الإبداع منذ الطفولة، وتألقتا في ميادين مختلفة ما بين التمثيل، الإعلام، والشعر. من خلال هذا المقال، سنستعرض تفاصيل حياتهما ومسيرتهما الزاخرة، مع التعمق في الخلفية العائلية والثقافية التي شكّلت هويتهما الفنية، وسنلقي الضوء على أبرز أعمالهما، نجاحاتهما، وتأثيرهما العميق على الساحة الفنية الخليجية.
أقسام المقال
فوز الشرقاوي: بداية مبكرة
ولدت فوز علي الشرقاوي في 24 مايو 1984 في مدينة المحرق البحرينية، وترعرعت في بيئة فنية بامتياز جعلت المسرح جزءًا من حياتها منذ سن صغيرة. كانت أولى خطواتها الفنية عام 1994، حين شاركت في عروض مسرحية مدرسية تطورت لاحقًا إلى مشاركات احترافية ضمن فرق مسرحية بحرينية محلية. تميزت فوز بقدرة استثنائية على التعبير الجسدي والحسي، وهو ما ساعدها على فرض حضورها القوي على خشبة المسرح. شاركت في عدد من المسرحيات المؤثرة منها “عذاري”، و”مجاريح”، و”مسرح بلا أبواب”، حيث قدمت أدوارًا تحمل رسائل اجتماعية عميقة. كما قدمت أدوارًا تلفزيونية ناجحة في مسلسلات خليجية شهيرة، منها “فرجان لول” و”برايحنا”، لتجمع بذلك بين الحس المسرحي والتلفزيوني بتناغم بارز.
في الشرقاوي: صوت ثقافي وشعري
في علي الشرقاوي، الشقيقة الكبرى لفوز، وُلدت في 24 أبريل 1975، وتُعد من أوائل الفنانات البحرينيات اللاتي برزن في الإعلام والدراما الخليجية معًا. بدأت في رحلتها الفنية من خلال التمثيل في أعمال مثل “العولمة” و”لا موسيقى في الأحمدي”، كما قدمت أدوارًا ناضجة ومتقنة عكست تجربتها الفكرية. لاحقًا، توجهت إلى الإعلام، حيث قدمت برامج إذاعية وتلفزيونية حوارية وثقافية، تميزت بأسلوبها الهادئ والرزين في التقديم. كما وجدت لنفسها مكانًا بين الشعراء، إذ أنها ورثت موهبة كتابة القصيدة من والديها الشاعرين، وقدمت عدة أمسيات في مهرجانات محلية وعربية. هي فنانة متعددة الأوجه، تجمع بين الرقة في الكتابة، والعمق في الأداء، والاحترافية في التواصل الإعلامي.
الوالدان علي الشرقاوي وفتحية عجلان
ما لا يعرفه كثيرون أن فوز وفي الشرقاوي هما ابنتا الشاعر الكبير علي الشرقاوي، وأمهما هي الشاعرة الراحلة فتحية عجلان، وهما شخصيتان بارزتان في الساحة الثقافية البحرينية. كان هذا المحيط العائلي المحمّل بالشعر، واللغة، والمسرح، هو الحاضنة الأولى التي ساعدت على تشكيل وعي الأختين فنيًا وأدبيًا منذ نعومة أظافرهما. كان المنزل ملتقى للمثقفين والشعراء، مما أتاح لهما الاطلاع على مدارس فكرية مختلفة، وهو ما انعكس لاحقًا في نضج أعمالهما.
التنوع في الأعمال
ما يميز مسيرة فوز الشرقاوي هو أنها لم تكتفِ بالظهور في أعمال تجارية أو جماهيرية فقط، بل خاضت تجارب في المسرح الجاد الذي يُعالج قضايا اجتماعية حساسة مثل البطالة، العنف الأسري، وتمكين المرأة. أما في الشرقاوي، فقد ساهمت في تعزيز المحتوى الثقافي على الشاشة الخليجية من خلال برامجها الحوارية وأعمالها الأدبية، وطرحت عبرها موضوعات فكرية مثل الهوية الخليجية والتعدد الثقافي. هذا التنوع منح كل واحدة منهما شخصية فنية مستقلة رغم الانتماء العائلي المشترك.
الجوائز والتكريمات: إشادة مستحقة بموهبة متجددة
خلال مسيرتهما، نالت فوز وفي الشرقاوي عدة جوائز تكريمية؛ إذ حصلت فوز على جائزة أفضل ممثلة دور ثاني أكثر من مرة في مهرجانات خليجية ومسرحية، بينما نالت في تكريمًا خاصًا من جهات ثقافية وأكاديمية تقديرًا لدورها الإعلامي والتثقيفي. وتُعد مشاركتهما في مهرجانات دولية تمثل البحرين إضافة مهمة لرصيدهِما الإبداعي، حيث بات اسم الشرقاوي علامة ذات قيمة في المشهد الفني والثقافي العربي.
الانتشار الإعلامي والتواصل مع الجمهور
في العصر الرقمي، لم تغب الأختان عن التواصل مع الجمهور، حيث تستخدم فوز منصات التواصل الاجتماعي لنشر مقتطفات من أعمالها وتفاعلها اليومي، كما تقدم نصائح للفنانين الشباب. بينما تستثمر في الشرقاوي منصاتها في تقديم مقتطفات شعرية وخواطر وتوثيق أمسياتها الأدبية، مما يجعلها قريبة من جمهورها المثقف. حافظت كل واحدة منهما على خصوصيتها، مع التأثير المتزايد لجمهور جديد يبحث عن العمق والصدق في زمن السرعة.
رؤية مستقبلية: ماذا بعد هذه المسيرة الغنية؟
بالنظر إلى الحضور المستمر لفوز وفي الشرقاوي، يبدو أن القادم يحمل مزيدًا من الإنتاجات التي تمزج بين الفن الهادف والتجريب الجريء. كلاهما تمتلكان مشروعًا فنيًا يتجاوز الظهور الإعلامي، ليكون لهما دور محوري في تنمية الثقافة والفن البحريني والخليجي ككل. ويبدو أن إرث الوالدين لا يزال مستمرًا في التفاعل والتطور، عبر جيلين، وما زال يحمل وعودًا كبيرة لمستقبل إبداعي مشرق.