تشهد منطقة غرب إفريقيا تحولات جيوسياسية واجتماعية مستمرة تؤثر بشكل مباشر على حركة السكان داخل المنطقة، وتُعد غينيا إحدى الدول التي تلعب دورًا حيويًا في هذا السياق، سواء كمستقبِل للاجئين أو كممر عبور لهم. نظرًا لموقعها الجغرافي المجاور لعدة بؤر توتر، أصبحت غينيا ملاذًا للعديد من الفارين من النزاعات والصراعات المسلحة في دول الجوار. وعلى الرغم من أنها ليست من الوجهات التقليدية في خريطة اللجوء العالمية، فإن الأرقام المتصاعدة وتحديات الاستضافة تجعل من المهم تسليط الضوء على واقع اللجوء فيها، والتحديات التي تواجه الدولة، والجهود المبذولة لدعم هذه الفئة الهشة.
أقسام المقال
الوضع الحالي للاجئين وطالبي اللجوء في غينيا
تستضيف غينيا أعدادًا متواضعة من اللاجئين مقارنة بدول إفريقية أخرى، لكن هذا لا يقلل من تعقيد الوضع الإنساني لهؤلاء الأفراد. ووفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى نهاية أبريل 2025، يوجد في غينيا 2,174 لاجئًا و176 طالب لجوء. يشكل القادمون من سيراليون النسبة الأكبر، يليهم القادمون من ليبيريا. يعيش معظم اللاجئين في مناطق مثل كيسيدوغو ونزيريكوري، وغالبًا ما يعتمدون على المساعدات الدولية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مع محدودية فرص العمل والاعتماد شبه الكامل على المعونات الغذائية والتعليمية.
الإطار القانوني لحماية اللاجئين في غينيا
غينيا تُعتبر من الدول الإفريقية الموقعة على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، وأبرزها اتفاقية جنيف لعام 1951 وبروتوكول 1967، إلى جانب اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969. ونتيجة لذلك، فهي مُلزمة قانونيًا بتوفير الحماية القانونية والإنسانية لطالبي اللجوء. كما أن هناك لجنة وطنية لشؤون اللاجئين (CNAR) مسؤولة عن تسجيل اللاجئين وتنسيق السياسات ذات الصلة. ومع ذلك، فإن ضعف القدرات المؤسساتية ونقص التمويل يعوق تنفيذ هذه الالتزامات بشكل فعّال، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تأخير في معالجة طلبات اللجوء وصعوبات في الوصول إلى الوثائق القانونية اللازمة للعيش والتنقل.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
تُعد البنية الاقتصادية الهشة في غينيا من أبرز العوائق التي تؤثر على جودة حياة اللاجئين. حيث يعاني البلد نفسه من معدلات فقر مرتفعة ونقص في الخدمات الصحية والتعليمية حتى لمواطنيه، فما بالك باللاجئين. يعيش العديد من اللاجئين في ظروف سكنية متردية، مثل المخيمات العشوائية أو البيوت المهجورة، مما يعرضهم لمخاطر صحية ونفسية جسيمة. كما أن غياب فرص العمل الرسمية يدفع البعض للعمل في القطاع غير الرسمي أو الاتجار بالبضائع، وهو ما قد يُعرضهم للاستغلال أو الاعتقال.
التعاون الدولي والدعم الإنساني
رغم الإمكانيات المحدودة، تحظى غينيا بدعم من المنظمات الدولية على رأسها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمات مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة أطباء بلا حدود. تُقدم هذه الجهات خدمات تتراوح بين توفير الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، وكذلك دعم نفسي اجتماعي للاجئين، خاصة في حالات النساء والأطفال. كما تم إطلاق برامج توعية مجتمعية لتسهيل الاندماج بين المجتمعات المحلية واللاجئين، إلا أن الموارد المتاحة لا تزال دون المستوى المطلوب.
الاندماج المجتمعي والعقبات الثقافية
يمثل الاندماج إحدى القضايا الكبرى التي تواجه اللاجئين في غينيا. فبرغم التشابه الثقافي بين بعض اللاجئين والمجتمع المحلي، لا تزال هناك فجوات اجتماعية تعرقل هذا الاندماج، كاختلاف اللهجات والعادات، إضافة إلى المخاوف الأمنية لدى بعض السكان المحليين من التأثيرات الاقتصادية والديمغرافية للجوء. كذلك، يواجه اللاجئون صعوبة في الوصول إلى التعليم النظامي، خصوصًا أولئك الذين لا يملكون وثائق هوية رسمية أو لا يتقنون اللغة الفرنسية التي تُستخدم في المدارس.
قضايا الأمن والحماية من العنف
يتعرض اللاجئون، وخاصة النساء والفتيات، لمخاطر أمنية داخل المخيمات أو في المناطق الحدودية، من بينها العنف الجنسي، والاتجار بالبشر، والاستغلال. تفتقر المخيمات والمراكز المخصصة للإيواء إلى الحماية الكافية، في ظل غياب الشرطة المجتمعية المتخصصة. وقد أبلغت العديد من المنظمات غير الحكومية عن حوادث استغلال أثناء توزيع المساعدات أو خدمات الرعاية. وتعمل المنظمات الدولية بالتنسيق مع الحكومة على إنشاء آليات إبلاغ آمنة وتقديم الدعم النفسي للمُعنفين، لكن التغطية لا تزال محدودة وغير كافية في معظم الحالات.
آفاق المستقبل والتوصيات
لمعالجة هذه الإشكاليات، من الضروري أن تعمل الحكومة الغينية على تحسين بنيتها التحتية الاجتماعية، وتطوير سياسات متكاملة للاجئين تشمل الاعتراف السريع بطلبات اللجوء، وتقديم الدعم القانوني والاجتماعي، وتعزيز برامج الإدماج الاقتصادي. كما ينبغي تعزيز التعاون بين المؤسسات المحلية والدولية وتخصيص ميزانيات كافية لمشاريع دعم اللاجئين. علاوة على ذلك، من الضروري تكثيف برامج التوعية في المجتمع المضيف لتقليل مظاهر التمييز وتعزيز التعايش الإيجابي. من خلال هذه الخطوات، يمكن لغينيا أن تصبح نموذجًا في إدارة ملف اللجوء رغم التحديات.