نساء غينيا بيساو

في قلب غرب إفريقيا، وعلى امتداد شواطئ الأطلسي، تعيش نساء غينيا بيساو واقعًا مفعمًا بالتحديات والأمل. رغم التقاليد المجتمعية الصارمة، والمحددات الاقتصادية التي ترهق البلاد، إلا أن النساء يواصلن نضالهن في ميادين الحياة كافة: من السياسة إلى الزراعة، ومن التعليم إلى الدفاع عن الحقوق. هذا المقال يقدم صورة شاملة عن نساء غينيا بيساو، مركزًا على محاور متعددة تتقاطع فيها قضايا التنمية، والعدالة الاجتماعية، وتمكين المرأة.

المشاركة السياسية للنساء في غينيا بيساو

رغم صدور قانون الكوتا النسائية في غينيا بيساو عام 2018، والذي يُلزم الأحزاب السياسية بتخصيص نسبة لا تقل عن 36% من قوائمها للنساء، إلا أن التمثيل الفعلي في البرلمان لا يزال محدودًا. حتى عام 2024، لم تتجاوز نسبة النساء في المجلس الشعبي الوطني 10%، ما يعكس فجوة بين التشريع والتطبيق. العديد من الناشطات يشرن إلى أن الهيمنة الذكورية والضعف المؤسسي يمثلان عائقًا أمام النساء، رغم استعداد الكثيرات منهن لتحمل المسؤوليات السياسية.

الصحة والرفاهية: تحديات مستمرة

تواجه نساء غينيا بيساو نظامًا صحيًا هشًا يُثقل كاهله نقص الكوادر والمعدات الطبية، خاصة في الأقاليم الداخلية. معدل وفيات الأمهات يبلغ أكثر من 660 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية، وهو من أعلى المعدلات عالميًا. يرتبط هذا الوضع بانتشار الولادات المنزلية، وقلة برامج التثقيف الصحي، وصعوبة الوصول إلى المراكز الطبية. وفي المقابل، بدأ المجتمع المدني في تشكيل شبكات دعم مجتمعية تساهم في تقديم إسعافات أولية ومتابعة النساء الحوامل.

التعليم: مفتاح التمكين

الفجوة بين الذكور والإناث في التعليم الأساسي لا تزال قائمة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن واحدة فقط من كل ثلاث فتيات تُكمل المرحلة الابتدائية. الأسباب تتنوع بين الفقر، وزواج القاصرات، والمسؤوليات المنزلية. لكن رغم هذه الظروف، برزت مبادرات تعليمية تقودها نساء متطوعات يُدرّسن في القرى دون أجر، ويعملن على نشر ثقافة التعليم بين الأمهات لتشجيع بناتهن على الالتحاق بالمدارس. برامج “مدرسة للجميع” تدعمها اليونيسيف ومنظمات محلية، تسعى إلى إنشاء فصول مخصصة للفتيات في المناطق النائية.

التمكين الاقتصادي: خطوات نحو الاستقلال

الاقتصاد المحلي في غينيا بيساو يعتمد بشكل كبير على الزراعة والصيد، ونساء الريف يمثلن العمود الفقري لهذين القطاعين. يعملن في حصاد الكاجو، وزراعة الأرز، وصناعة زيت النخيل. لكن رغم مساهمتهن الحيوية، فإن الغالبية لا تحصل على أجر عادل أو دعم حكومي. تقوم بعض التعاونيات النسائية حاليًا بتصدير منتجاتهن عبر شبكات تجارية صغيرة، بفضل دورات التدريب على ريادة الأعمال التي تُمولها منظمات دولية.

مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي

ظاهرة العنف ضد المرأة في غينيا بيساو تتخذ أشكالًا متعددة: من العنف المنزلي، إلى الزواج القسري، وختان الإناث. ورغم تجريم ختان الإناث منذ عام 2011، لا تزال هذه الممارسة منتشرة في بعض القرى بنسبة تتجاوز 30%. الوعي المجتمعي بدأ يتزايد بفضل الحملات التي يقودها زعماء دينيون وقبليون، ويشارك فيها أيضًا رجال ونساء سبق لهم رفض العادات التقليدية الضارة. يُعد إعلان أكثر من 60 قرية عن التوقف الطوعي عن هذه الممارسات إنجازًا هامًا يجب البناء عليه.

أصوات نسائية بارزة في غينيا بيساو

من بين النماذج المُلهمة في غينيا بيساو نجد نساء تركن بصمة في مسيرة البلاد، منهن:

  • تيتينا سيلا: استُشهدت في مواجهة قوات الاستعمار عام 1973، وتُعتبر رمزًا للتحرر الوطني.
  • مارياما كابا: خبيرة اقتصادية، ومناصرة لحقوق المرأة، ساعدت في إعداد استراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي النسائي.
  • ماريا دي سوزا: ناشطة في مكافحة العنف ضد النساء، وقد أسست مركزًا لحماية الضحايا في بيساو.
  • إيفلين غوميز: لاعبة كرة قدم قادت فريق بلادها في أول مشاركة رسمية أفريقية، وكُرمت لسعيها إلى تشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة.

الثقافة والهوية النسائية في المجتمع البيساوي

تلعب النساء دورًا محوريًا في الحفاظ على التراث الثقافي في غينيا بيساو، من خلال الأغاني التقليدية، والرقصات الاحتفالية، والحِرف اليدوية. في المجتمعات الفولانية والماندينغا، تتولى النساء مسؤولية تنظيم طقوس الزواج والمناسبات الاجتماعية، ويُعتبر حضورهن ضروريًا لإتمام أي احتفال قبلي. لكن هذا الدور التقليدي لا يتعارض مع تطلع النساء إلى مستقبل أكثر مساواة، بل يُستخدم كمنصة لبث رسائل التغيير المجتمعي.

الآفاق المستقبلية

الطريق نحو تمكين نساء غينيا بيساو لا يزال طويلًا، لكنه ليس مستحيلًا. مع تزايد الدعم الدولي، وتنامي وعي المجتمع المحلي، أصبح من الممكن إحداث تغيير ملموس خلال السنوات القادمة. توفير التعليم، والرعاية الصحية، والحماية القانونية، والدعم الاقتصادي سيُشكل حجر الأساس لأي نهضة نسوية حقيقية. وفي النهاية، فإن نجاح غينيا بيساو في مسيرتها التنموية لن يتحقق دون مشاركة نسائها الفعالة والكاملة.