العرب في توجو

في قلب غرب إفريقيا، تقع جمهورية توجو، الدولة الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجي على الساحل الأطلسي، والتي تحولت بمرور الوقت إلى وجهة مفضلة للجاليات الأجنبية الباحثة عن فرص تجارية واستقرار اجتماعي، ومن بينهم الجالية العربية. رغم أن أعداد العرب في توجو لا تُقارن بأعدادهم في دول إفريقية أخرى، إلا أن تأثيرهم الاقتصادي والثقافي واضح ومتصاعد. يتوزعون في مختلف أنحاء البلاد، ويشكلون رافدًا مهمًا من روافد النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ولا سيما في العاصمة لومي والمناطق الساحلية.

الجذور التاريخية للجالية العربية في توجو

ترجع أصول الجالية العربية في توجو إلى بداية القرن العشرين، عندما بدأ التجار اللبنانيون والسوريون بالهجرة إلى غرب إفريقيا هربًا من الأزمات الاقتصادية والسياسية في بلاد الشام. اختار كثيرون منهم توجو، خصوصًا مدينة لومي، لما تتمتع به من موقع بحري يسهل التبادل التجاري ويعزز الأنشطة الاقتصادية. وبمرور الوقت، تحول هؤلاء المهاجرون من بائعين متجولين إلى أصحاب متاجر ومؤسسات اقتصادية قوية ومؤثرة في المشهد العام.

التركيبة السكانية والتوزيع الجغرافي وعدد العرب

تتمثل غالبية العرب في توجو في الجالية اللبنانية، مع تواجد أقل عدديًا للجاليات السورية والفلسطينية والمصرية. ويتركز أغلبهم في العاصمة لومي، حيث تتنوع أنشطتهم بين التجارة، الخدمات، والاستثمار في العقارات. كما يوجد تواجد أقل كثافة في مدن مثل أنيهو وتسيبي وكارا، حيث ينتشر العرب العاملون في مجالات الاستيراد والصناعات الخفيفة. ويعيشون غالبًا في أحياء متقاربة، مما يخلق نوعًا من التضامن المجتمعي والهوية الجماعية داخل بيئة متعددة الثقافات.

تشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد العرب في توجو يبلغ حوالي 9500 شخص، يشكل اللبنانيون الغالبية العظمى منهم. ورغم أن هذا العدد لا يتجاوز نسبة 0.1% من إجمالي سكان البلاد البالغين نحو 9.7 مليون نسمة، إلا أن تأثيرهم واضح في قطاعات متعددة. ومن المثير للاهتمام أن قرابة 59% من هؤلاء العرب يعتنقون الإسلام، في حين يشكل المسيحيون نحو 32%، والباقي لا ينتمون دينيًا. هذه الأرقام تعكس التنوع الديني والثقافي الذي يميز المجتمع العربي الصغير لكن المؤثر في توجو.

الدور الاقتصادي للجالية العربية

أسهمت الجالية العربية في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي في توجو، خصوصًا في مجالات التجارة الخارجية والتوزيع وقطاع التجزئة. فقد أسسوا شركات ناجحة تستورد المنتجات من دول الخليج ولبنان والصين، لتلبية احتياجات السوق المحلي. كما قاموا بإنشاء سلاسل متاجر، وأعمال في مجال النقل والمقاولات، الأمر الذي جعلهم من اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد التوغولي، خاصة في القطاع غير الرسمي.

التأثير الثقافي والاجتماعي

ساهم العرب في توجو في خلق بيئة ثقافية متميزة، عبر إدخال مظاهر من الثقافة العربية إلى المجتمع المحلي. تُشاهد المطاعم التي تقدم المأكولات اللبنانية والسورية، كما تنتشر المنتجات ذات الطابع العربي في الأسواق. وتحرص العائلات العربية على تعليم أبنائها اللغة العربية والدين الإسلامي، مع دعم إنشاء مدارس خاصة أو التعاون مع المراكز الإسلامية المنتشرة في توجو. كما يتبادلون المناسبات مع التوغوليين، مما يعزز من العلاقات الاجتماعية المشتركة ويُظهر مدى التفاهم والاندماج.

التحديات والاندماج في المجتمع التوجولي

يواجه العرب في توجو تحديات عدة، منها ما يتعلق بالإجراءات القانونية الخاصة بالإقامة والعمل، ومنها ما يتعلق بالاندماج الكامل في المجتمع التوغولي متعدد الأعراق والثقافات. ورغم أن معظمهم يُفضل الاحتفاظ بهويته الثقافية، إلا أن هناك جيلًا جديدًا من العرب وُلِد وتربى في توجو، ويحمل هويات مزدوجة ويتحدث اللغتين العربية والفرنسية بطلاقة، ويشعر بانتماء قوي للبلد. وقد ساهم ذلك في تخفيف الحواجز الثقافية، وتعزيز التعايش السلمي بين العرب وباقي مكونات المجتمع.

العلاقات بين توجو والدول العربية

لعبت الجالية العربية دور الوسيط الحيوي في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين توجو والدول العربية، خاصة لبنان ودول الخليج. تُقام مبادرات مشتركة في مجالات التعليم والصحة والاستثمار، كما تُرسل بعثات دينية وتعليمية عربية للمساهمة في دعم الثقافة الإسلامية في توجو. ويحظى العرب في توجو باهتمام السفارات العربية، التي تنظم فعاليات دورية وتدعم المشاريع الاجتماعية والثقافية.

الحضور العربي في المؤسسات والأنشطة الدينية

يحافظ العرب في توجو على ممارسة شعائرهم الدينية، من خلال المساجد والمراكز الإسلامية التي أسسوها بأنفسهم أو ساهموا في تمويلها. ويُلاحظ تفاعلهم مع المجتمع المسلم المحلي، حيث ينظمون أنشطة دينية وتعليمية مشتركة خلال شهر رمضان وخلال المناسبات الدينية الأخرى. كما يدعمون تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم للأطفال، ويُساهمون في الأعمال الخيرية الموجهة للفقراء والمحتاجين من جميع الأعراق.

المستقبل والتطلعات

يتطلع العرب في توجو إلى مزيد من التوسع في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، مع الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية. يطمحون إلى تمثيل أفضل في الهيئات الحكومية، والمشاركة في صياغة السياسات الاقتصادية التي تمس مصالحهم. كما يأملون في تقوية الروابط مع الجاليات العربية في دول إفريقية أخرى، لتكوين شبكات دعم وتعاون تخدم مصالح الجميع. ويُتوقع أن يظل الوجود العربي في توجو عاملًا مهمًا في تنمية الاقتصاد وتعزيز التنوع الثقافي للبلاد.