الأديان في سلطنة عمان

تتميز سلطنة عمان بخصوصية دينية واجتماعية نادرة في محيطها الخليجي، حيث تجمع بين التقاليد الإسلامية العريقة والانفتاح على الديانات والثقافات الأخرى الوافدة إليها من مختلف أنحاء العالم. هذا التنوع الديني داخل السلطنة يتجلى في مستويين رئيسيين: ديانات المواطنين العمانيين، والديانات التي يعتنقها الوافدون الأجانب المقيمون فيها. ورغم أن الإسلام هو الدين الرسمي والأكثر انتشارًا، إلا أن التركيبة الديمغرافية لعمان تعكس فسيفساء فريدة من الانتماءات الدينية التي تعايشت طويلًا بسلام واحترام متبادل.

الإسلام دين الغالبية الساحقة من المواطنين العمانيين

يُشكل المسلمون تقريبًا جميع المواطنين العمانيين، بنسبة تتجاوز 99%. وينقسم هؤلاء المسلمون إلى ثلاثة مذاهب رئيسية: الإباضي، السني، والشيعي. ويُعد المذهب الإباضي هو المذهب التاريخي والسياسي للسلطنة، إذ تبناه الأئمة العمانيون منذ قرون، ولا يزال هو السائد في المناطق الداخلية مثل نزوى وبهلاء وعبري. أما المذهب السني، فينتشر بشكل واسع في مناطق الباطنة والشرقية، بينما يتركز أتباع المذهب الشيعي في العاصمة مسقط وصحار.

ويُعرف المجتمع العماني بتسامحه المذهبي، إذ لا تُعرف فيه نزاعات طائفية، وتُقام الشعائر الدينية بحرية تامة بين جميع الأطياف الإسلامية. كما تُشجع الدولة على وحدة الخطاب الديني الوسطي، الذي يبتعد عن الغلو أو الانقسام، ويعزز الانتماء الوطني فوق الانتماءات المذهبية.

أديان الوافدين الأجانب: تنوع واسع في مجتمع متعدد الجنسيات

يعيش في سلطنة عمان عدد كبير من الوافدين الأجانب، يُقدّر بأكثر من 40% من عدد السكان، ويأتون من خلفيات ثقافية ودينية متنوعة. هذا التعدد ينعكس في وجود طوائف دينية غير إسلامية تمارس شعائرها بحرية في السلطنة.

أكبر الطوائف الدينية غير الإسلامية في عمان هي الطائفة المسيحية، وتضم أتباعًا من الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، أغلبهم من الفلبين والهند وسريلانكا. كذلك يوجد عدد كبير من الهندوس الذين جاءوا من الهند ونيبال، إضافة إلى السيخ، والبوذيين، وبعض اليهود. وتُوفّر الحكومة العمانية دور عبادة مرخّصة لهذه الطوائف، أبرزها كنائس في مسقط وصلالة، ومعابد هندوسية وسيخية في مناطق سكنية تضم الجاليات الآسيوية.

حرية الدين والعبادة في الدستور العماني

ينص النظام الأساسي للسلطنة على أن الإسلام هو دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع. ومع ذلك، يكفل الدستور حرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع السكان، بشرط ألا تتعارض مع النظام العام أو تؤدي إلى الإساءة للأديان الأخرى.

وتشرف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على تنظيم المساجد والكنائس والمعابد، وتتبع سياسة واضحة تمنع الخطاب الديني المتطرف، وتُعزز قيم التعايش والتسامح في المناهج الدراسية والخطاب الإعلامي والديني.

تمييز مهم: المسلمون المواطنون مقابل تنوع الوافدين

من المهم التمييز بين ديانات المواطنين الأصليين وبين ديانات الوافدين. فالمواطنون العمانيون يكاد يكونون جميعًا مسلمون، ولا تُعرف في المجتمع المحلي ديانات أخرى بشكل رسمي أو اجتماعي مؤثر. أما الديانات غير الإسلامية المنتشرة في البلاد فهي تعود بالكامل تقريبًا إلى الوافدين.

هذا التوزيع الديمغرافي يجعل من سلطنة عمان دولة ذات طابع إسلامي سكاني، ولكنها متعددة دينيًا على مستوى الإقامة. وقد ساهم هذا التوزان في استقرار البلاد دينيًا واجتماعيًا لعقود طويلة، دون تسجيل حالات نزاع أو اضطهاد ديني يُذكر.

تجربة عمانية مميزة في التعايش بين الأديان

تمثل سلطنة عمان نموذجًا رائدًا في إدارة التنوع الديني، سواء من خلال مؤسساتها الرسمية أو عبر نسيجها الاجتماعي المرن. فالكنائس والمعابد تمارس أنشطتها بانتظام، والمساجد مفتوحة لكل المذاهب، والدروس الدينية تركز على القيم المشتركة، لا على الخلافات.

كما تُقام فعاليات حوار بين الأديان، وتُشارك الجاليات الأجنبية في المناسبات الوطنية والدينية، مما يعزز الشعور بالانتماء والانفتاح المتبادل بين المكونات المختلفة.

حادثة 2024: تهديد محدود قابلته الدولة بالحسم

في يوليو 2024، تعرض أحد المساجد الشيعية لهجوم إرهابي في مسقط، وهو حادث نادر في تاريخ البلاد، وقد لقي إدانة شاملة من جميع المكونات. سارعت الحكومة إلى القبض على المتورطين، وعززت من حملات مكافحة التطرف، ووجهت الأئمة والخطباء لتكثيف خطاب التسامح والتعايش.

وقد كان لهذا الحدث أثر عميق في تأكيد أهمية استمرار العمل على حماية النسيج الديني العماني من أي اختراقات فكرية أو خارجية تهدد استقراره.

خاتمة: سلطنة عمان واحة للتنوع الديني المحكوم بالحكمة

في ظل عالم يشهد توترات دينية متصاعدة، تبرز سلطنة عمان كأنموذج للهدوء الديني والإداري. فهي دولة حافظت على هوية إسلامية واضحة دون أن تُقصي الآخرين، واحتضنت أديانًا متعددة دون أن تُشوّه نسيجها الأصلي. هذا التوازن لم يكن مصادفة، بل نتيجة لسياسات حكيمة، وثقافة مجتمعية عريقة، وروح عُمانية تميل بطبعها إلى الاعتدال والتسامح.

إن مستقبل التعددية الدينية في عمان يبدو واعدًا، ما دامت الدولة والمجتمع متمسكين بنفس المبادئ التي أرست هذا النموذج منذ عقود.