سلطنة عمان واحدة من أكثر الدول العربية حفاظًا على عاداتها وتقاليدها، وخصوصًا في المناسبات الاجتماعية الكبرى مثل الزواج. وتُعد مراسم الزواج العمانية مزيجًا فريدًا من الأصالة والروح المجتمعية، حيث لا يقتصر الاحتفال على العروسين فقط، بل يكون حدثًا جماعيًا تتكاتف فيه العائلات وتُستحضر فيه العادات المتوارثة منذ مئات السنين. وتختلف التفاصيل الدقيقة من ولاية لأخرى، إلا أن الجوهر واحد يعكس القيم الراسخة والهوية الثقافية للمجتمع العماني.
أقسام المقال
الخطبة وتقديم “الحق” في سلطنة عمان
الخطبة في سلطنة عمان ليست مجرد لقاء بين عائلتين، بل هي مناسبة تقليدية تُراعى فيها الأعراف الاجتماعية بدقة. يبدأ الأمر بتوجه أهل العريس رسميًا إلى بيت أهل العروس لطلب يدها، وغالبًا ما يرافق هذا الطلب “حق” يُقدَّم كمؤشر جدي على رغبة الزواج. يتضمن “الحق” مبلغًا ماليًا يُتفق عليه بين الطرفين، بالإضافة إلى مجموعة من الهدايا المتنوعة مثل العطور، والأقمشة الفاخرة، والحُلي الذهبية.
وتُحمل هذه الهدايا في موكب تقليدي يُعرف باسم “دخول الحق”، حيث تُنظم النساء صواني الهدايا بطريقة جمالية متقنة، ويُرافق الموكب أهازيج شعبية ورقصات كالرزحة والعازي، مما يُضفي طابعًا احتفاليًا عابقًا بالتراث. وقد تختلف محتويات “الحق” بحسب المنطقة والوضع الاقتصادي، لكن القاسم المشترك هو التكريم الرمزي للعروس وإظهار احترام العريس لعائلتها.
عقد القران وتقاليده في سلطنة عمان
يُعد عقد القران من اللحظات الرسمية المهمة في مسيرة الزواج العماني. غالبًا ما يتم في أحد المساجد أو في مجلس عامر يحضره وجهاء العائلتين، ويُقرأ فيه الفاتحة وتُتلى الشروط بحضور المأذون الشرعي. يُشهد الحضور على العقد ويُوزع عليهم ماء الورد والحلوى العمانية الشهيرة، وهي حلوى مصنوعة من النشا والسمن والزعفران والمكسرات، تُعتبر علامة أساسية في كل مناسبة سعيدة.
بعد العقد، يُقام تجمع عائلي في منزل العروس تُقدَّم فيه القهوة والتمور، ويُقرأ فيه الدعاء للعروسين. وتُعد هذه المرحلة إعلانًا رسميًا للعلاقة، ويبدأ بعدها التحضير الفعلي لمراسم الزفاف التي قد تستمر لعدة أيام.
الاحتفالات التقليدية قبل الزفاف في سلطنة عمان
تسبق ليلة الزفاف أيام من الفعاليات التقليدية التي تُعرف بـ”ليالي الحناء والجلوة”. تبدأ بإعداد العروس نفسيًا وجماليًا عبر طقوس عريقة، تبدأ بـ”حمام العروس” وهو حمام بخاري مع أعشاب معطرة مثل الشب والورد والصندل، يُعتقد أنه يمنح العروس الراحة ويُزيل الحسد.
يلي ذلك “يوم الحناء”، وهو مناسبة نسائية خالصة تُقام في منزل العروس، حيث تُزين العروس وأقرب صديقاتها بالحناء التي تُرسم بنقوش دقيقة على اليدين والقدمين. تُغنى الأغاني التقليدية وترقص النساء في جو مليء بالبهجة. في بعض الولايات، يُقام هذا الاحتفال وسط الخيام مع فرق شعبية تؤدي فنونًا كالعازي والهبوت.
ليلة الزفاف وزفة العروس في سلطنة عمان
ليلة الزفاف هي ذروة الاحتفالات، وتبدأ بزفة العروس من منزلها إلى منزل الزوجية. تُلبس العروس زيًا تقليديًا عمانيًا غالبًا ما يكون مطرزًا بخيوط الذهب والفضة، وتُغطى بعباءة خضراء ترمز للخصوبة والحياة الجديدة، وعلى رأسها يوضع المصحف الشريف لحمايتها وبركتها.
تُزف العروس وسط موكب حافل بالأغاني والزغاريد. وعند دخولها بيت الزوجية، تُكسر بيضة على الأرض تحت قدمها تفاؤلاً بالخصوبة، وتُرش الأرض بماء الورد والزعفران. يُذبح ذبيحة في ساحة المنزل كنوع من الشكر والاحتفال، وتُوزع لحومها على الأقارب والفقراء.
الاحتفالات بعد الزفاف في سلطنة عمان
لا تنتهي مراسم الزواج بمجرد دخول العروس إلى بيتها الجديد، بل تستمر الاحتفالات لأيام. من أبرز هذه الفعاليات “السبوع” أو “الزيارة”، حيث تزور العروس أهلها بعد أسبوع من الزفاف محمّلة بالهدايا، وتُستقبل بزغاريد وأغانٍ خاصة بهذه المناسبة.
كما يُقيم العريس ما يُعرف بـ”القعدة” أو “العرس الرجالي”، وهو احتفال خاص بالرجال يتخلله الشعر النبطي والمبارزات الشعرية، ويُعد مناسبة لتعزيز العلاقات الاجتماعية وتجديد الروابط القبلية.
التكافل الاجتماعي في الزواج العماني
من أبرز سمات الزواج في سلطنة عمان هو روح التكافل الاجتماعي التي تُحيط بالمناسبة. غالبًا ما تُقدَّم المساهمات المالية من قبل أفراد العائلة والأصدقاء والأهل تحت مسمى “الجميل”، وهو مبلغ يُسجل في دفاتر خاصة كدين مؤقت يُرد لاحقًا عند زواج المساهم.
ويُعتبر هذا النظام وسيلة مجتمعية ذكية لتقليل أعباء الزواج، وتحقيق عدالة بين الشباب، مما يُمكّن الجميع من تأسيس أسر دون أعباء مفرطة. هذه المساهمات لا تُعد عبئًا ماديًا بل رمزًا للتكاتف والكرم.
الزواج بين الحداثة والتقاليد في سلطنة عمان
رغم التغيرات العصرية التي شهدها المجتمع العماني، لا تزال تقاليد الزواج قائمة بشكل واسع، ولكن بأسلوب يتماشى مع متغيرات العصر. ففي المدن الكبرى، باتت حفلات الزفاف تُقام في قاعات أفراح فخمة، وتُستخدم التقنيات الحديثة في التصوير والإضاءة، دون أن تُلغى الطقوس التقليدية.
حتى الشباب العماني، رغم انفتاحهم على العالم، يحرصون على إحياء مراسم الحناء والزفة وتقديم “الحق”. هذا التوازن بين الحداثة والأصالة هو ما يجعل الزواج في سلطنة عمان تجربة فريدة تعكس هوية البلاد.
الختام
عادات الزواج في سلطنة عمان ليست مجرد مراسم اجتماعية، بل هي مرآة لهوية وطنية وثقافة متجذرة في أعماق التاريخ. تُعبر هذه التقاليد عن الاحترام المتبادل، والتكافل، والفرح الجماعي. وبين الحناء، والحلوى، والحق، والزفة، يُولد رابط مقدس يُباركه المجتمع بأكمله، ليبقى الزواج في عمان ليس مجرد علاقة بين فردين، بل رباطًا يربط بين أسر وعائلات ومجتمع بأسره.