اللجوء في سوريا

منذ اندلاع النزاع المسلح في سوريا عام 2011، وحتى منتصف عام 2025، لا تزال أزمة اللجوء السوري واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا واستمرارية في التاريخ الحديث. فبين موجات النزوح الداخلي، واللجوء إلى الخارج، وعمليات العودة الطوعية المحدودة، يعيش ملايين السوريين في حالة عدم استقرار حاد. ومع التحولات السياسية والأمنية الأخيرة، خاصة بعد انهيار نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية، عاد الحديث عن إمكانية إنهاء أزمة اللجوء. ومع ذلك، يظل المشهد مليئًا بالعقبات والتحديات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

الوضع الراهن للاجئين السوريين

تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين خارج البلاد بلغ أكثر من 6.2 مليون لاجئ، ينتشرون في دول الجوار ودول أوروبا وأميركا الشمالية. وتُعد تركيا الدولة الأكثر استضافة، حيث تستقبل نحو 2.87 مليون لاجئ، يليها لبنان بـ 850 ألفًا، ثم الأردن بـ 620 ألفًا، بينما تستضيف ألمانيا وحدها 1.02 مليون لاجئ سوري. هذا التوزيع غير المتوازن خلق تحديات للدول المضيفة، التي تعاني في كثير من الحالات من ضغط على بنيتها التحتية وخدماتها العامة.

ورغم محاولات الاندماج، لا يزال كثير من اللاجئين يعانون من البطالة، وضعف فرص التعليم، والتمييز الاجتماعي، لا سيما في الدول التي تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية، مثل لبنان والأردن. كما أن نقص التمويل الدولي لبرامج الدعم الإنساني زاد من تفاقم الأوضاع، مما أدى إلى تقليص مساعدات الغذاء والصحة والتعليم في عدد من المخيمات.

النازحون داخليًا في سوريا

بلغ عدد النازحين داخليًا أكثر من 7.2 مليون شخص، معظمهم يعيشون في ظروف غير إنسانية داخل مراكز إيواء مؤقتة أو في بيوت مدمّرة جزئيًا. يتمركز غالبية هؤلاء في محافظات إدلب، وحلب، والحسكة، وريف دمشق. النزوح الداخلي المستمر نتيجة المعارك المتقطعة والصراعات المسلحة المحلية يُبقي مئات الآلاف في حالة تنقل دائم. وتفتقر هذه المناطق إلى أبسط الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء والخدمات الصحية.

تُعد قوافل المساعدات الإنسانية المنقذ الوحيد لهؤلاء، لكنها غالبًا ما تعاني من قيود في الوصول، أو يتم استهدافها من قبل جماعات مسلحة، مما يهدد حياة الآلاف ويُبقي الوضع هشًا.

عودة اللاجئين: بين الأمل والواقع

رغم الانفراج السياسي النسبي بعد سقوط النظام في أواخر 2024، لا تزال عودة اللاجئين تواجه صعوبات متعددة. فقد عاد ما يقرب من 195,200 لاجئ إلى سوريا خلال الأشهر الأولى من 2025، معظمهم من الأردن وتركيا ولبنان. ومع ذلك، فإن هذه العودة لا تعكس بالضرورة تحسنًا جذريًا في الأوضاع، بل غالبًا ما تكون مدفوعة بانعدام البدائل في بلدان اللجوء أو لأسباب إنسانية وشخصية.

اللاجئون العائدون يواجهون تحديات مثل غياب المأوى، والافتقار إلى وثائق رسمية، وعدم توفر الرعاية الصحية أو فرص العمل. كما أن بعض المناطق لا تزال غير آمنة، خاصة في الشمال الشرقي والشمال الغربي، حيث الاشتباكات متواصلة، مما يجعل العودة محفوفة بالمخاطر.

الدور الدولي في دعم العودة

تحاول بعض الدول والمنظمات الأممية تقديم الدعم لبرامج العودة الطوعية. فقد أعلنت دول مثل قبرص وكندا عن استعدادها لدعم العائدين من خلال برامج إعادة توطين مؤقتة أو دعم مالي مباشر. وبدورها، رصدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تمويلات مخصصة لدعم مشاريع إعادة الإعمار وتسهيل العودة.

ورغم هذه الجهود، لا يزال المجتمع الدولي منقسمًا حول آليات ضمان «العودة الآمنة والكريمة والطوعية»، وسط تحذيرات من إعادة اللاجئين إلى بيئات غير مستقرة، أو إجبارهم على العودة دون ضمانات حقيقية.

التحديات الأمنية والسياسية داخل سوريا

تواجه الحكومة الانتقالية الجديدة تحديات هائلة في بسط الأمن وتحقيق الاستقرار، خاصة في ظل التوترات المستمرة في شمال سوريا بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية، والوجود الإيراني والروسي في مناطق متعددة. كما أن بعض الجماعات المسلحة لا تزال تنشط في ريف دمشق ودرعا ودير الزور.

سياسيًا، لا تزال عملية الانتقال السياسي تواجه عراقيل، إذ لم يتم التوصل إلى دستور دائم حتى الآن، كما أن الانتخابات المرتقبة في نهاية 2025 تواجه تحديات لوجستية وأمنية. كما أن غياب شمولية التمثيل في الحكومة الانتقالية أثار جدلاً واسعًا حول قدرتها على تمثيل جميع مكونات الشعب السوري.

اللاجئون الفلسطينيون في سوريا

يعيش في سوريا أكثر من 430,000 لاجئ فلسطيني، تأثرت حياتهم بشكل كبير بالحرب السورية، خاصة بعد دمار مخيمات رئيسية مثل اليرموك وخان الشيح والنيرب. يعيش الكثير منهم اليوم في مناطق مدمرة أو خارج المخيمات الأصلية، دون دعم كافٍ من الأونروا، التي تعاني بدورها من نقص مزمن في التمويل.

وفي ظل تراجع الدعم العربي والدولي، بات اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في موقع هش، حيث لا يتمتعون بالحقوق الكاملة ولا بفرص العودة إلى وطنهم الأصلي، ويعانون من تهميش مزدوج بوصفهم لاجئين داخل بلد منكوب.

الآفاق المستقبلية لحل أزمة اللجوء في سوريا

يتطلب حل أزمة اللجوء السوري مقاربة شاملة تتضمن المصالحة السياسية، وإعادة الإعمار، وضمان الحقوق والحريات، وتقديم التعويضات للمتضررين، فضلًا عن إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن. لا يمكن فصل عودة اللاجئين عن المسار السياسي، كما لا يمكن تصور عودة جماعية بدون إصلاحات دستورية وضمانات دولية.

في الوقت ذاته، يجب على المجتمع الدولي زيادة دعمه للدول المضيفة، وتوسيع برامج إعادة التوطين، والعمل على حماية اللاجئين من الضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تُجبرهم على العودة غير الآمنة. الأزمة مستمرة، ولكن مع الإرادة الدولية والشفافية، يمكن فتح أبواب الأمل لملايين السوريين الباحثين عن وطن آمن ومستقر.