تُجسد المرأة السورية منذ قرون صورة القوة والتضحية، حيث لعبت أدوارًا محورية في شتى مناحي الحياة، بدءًا من الأمومة والتعليم وصولًا إلى المشاركة السياسية والنشاط الاجتماعي. ومع تعاقب الأزمات والنزاعات، برزت المرأة السورية كرمز للصمود، متحدية الظروف القاسية التي أحاطت بها من فقر ونزوح وعنف. ورغم المعاناة، فإنها لم تفقد قدرتها على التأثير والتغيير في مجتمعها، بل كانت المحرك الصامت في كثير من الأحيان، تدير عجلة الحياة وتعيد ترميم ما كُسِر. في هذا المقال، نسلط الضوء على محطات مختلفة من حياة نساء سوريا، ما بين الحرب والسلام، الهامش والقيادة، الألم والإبداع. نستعرض الأدوار التي اضطلعن بها، والتحديات التي واجهنها، والانتصارات التي سطرنها في خضم الفوضى، لنرسم صورة أكثر شمولية عن نساء هذا الوطن الذي لا ينهار رغم الجراح.
أقسام المقال
- المرأة السورية في ظل الحرب: تحديات مضاعفة
- دور المرأة السورية في الاقتصاد: من التهميش إلى الريادة
- المرأة السورية في السياسة: خطوات نحو التمكين
- المرأة السورية في التعليم والثقافة: صمود وإبداع
- المرأة السورية في المجتمع المدني: بناء السلام والمصالحة
- المرأة السورية في الإعلام والمنصات الرقمية
- المرأة السورية في المستقبل: آمال وتحديات
المرأة السورية في ظل الحرب: تحديات مضاعفة
منذ بداية الأزمة السورية، عانت النساء من وطأة العنف بأشكاله المختلفة، بدءًا من النزوح القسري، مرورًا بفقدان الأزواج والمعيلين، وانتهاءً بالمخاطر الأمنية والنفسية. العديد منهن وجدن أنفسهن مسؤولات وحدهن عن إعالة الأسر، والعمل في بيئات شديدة الصعوبة.
تفاقمت ظاهرة زواج القاصرات، وازدادت حالات الاستغلال، فيما تراجعت معدلات التعليم للفتيات في بعض المناطق، نتيجة انعدام الأمان أو الحاجة للعمل المبكر. ومع ذلك، لم تستسلم النساء، بل سعين لتشكيل شبكات دعم، وشاركن في مبادرات أهلية لتعويض الفراغ الذي خلّفته مؤسسات الدولة.
دور المرأة السورية في الاقتصاد: من التهميش إلى الريادة
رغم التحديات الاقتصادية الكبرى التي طالت معظم السوريين، لعبت المرأة السورية دورًا متناميًا في النشاط الاقتصادي، إذ لجأت العديد من النساء إلى تأسيس مشاريع منزلية صغيرة مثل الخياطة، تحضير الطعام، أو إنتاج الصابون الطبيعي.
كما أسهمت في المبادرات الزراعية داخل المخيمات أو في القرى، في ظل انعدام البدائل. البعض منهن استطعن التوسع في مشاريعهن ليصبحن معيلات رئيسيات ويخلقن فرص عمل لنساء أخريات. وقد ظهر عدد من القصص الملهمة لنساء أسسن جمعيات صغيرة تعنى بتشجيع الإنتاج المحلي أو الحرف التراثية.
لا تزال المرأة تعاني من صعوبات قانونية ومالية مثل صعوبة الحصول على تمويل، وضعف الملكية العقارية، إلا أن تجربتها الاقتصادية أثبتت جدارتها بالحصول على مزيد من الدعم المؤسسي.
المرأة السورية في السياسة: خطوات نحو التمكين
لسنوات طويلة، اقتصرت مشاركة النساء في الحياة السياسية على تمثيل رمزي. إلا أن الأزمة الأخيرة دفعت بمجموعة من النساء إلى واجهة العمل السياسي، سواء ضمن المجالس المحلية، أو في صفوف المعارضة، أو حتى في مبادرات بناء السلام.
ظهرت أصوات نسائية جديدة تطالب بإدراج قضايا المرأة ضمن ملفات التفاوض، وبرزت دعوات لزيادة التمثيل النسائي الحقيقي في المؤسسات، خاصة بعد أن أظهرت النساء كفاءة عالية في إدارة النزاعات المحلية، والتفاوض على إطلاق سراح المعتقلين، وحماية الأطفال.
كما بدأت منظمات المجتمع المدني النسوية بالضغط لتعديل القوانين التمييزية، ودفع المرأة نحو المشاركة في صناعة القرار، ليس فقط كمستفيدة بل كمساهمة فاعلة في رسم مستقبل البلاد.
المرأة السورية في التعليم والثقافة: صمود وإبداع
بالرغم من الدمار الذي لحق بالمدارس والمؤسسات التعليمية، وتهجير الكوادر، حافظت نسبة كبيرة من النساء على التزامهن بالتعليم، سواء كطالبات أو معلمات. في بعض المخيمات، تطوعت نساء لتعليم الأطفال في خيم بسيطة، أو عبر منصات إلكترونية بديلة.
على المستوى الثقافي، لم تتوقف النساء عن الكتابة والرسم والإبداع، فبرزت أسماء نسائية لامعة في الأدب والشعر والرواية. كما ظهرت فرق مسرحية نسائية، وأفلام وثائقية أخرجتها نساء، توثق الألم السوري من زاوية إنسانية وشجاعة.
المرأة السورية في المجتمع المدني: بناء السلام والمصالحة
في السنوات الأخيرة، أصبحت المرأة شريكًا مهمًا في جهود المجتمع المدني، حيث قادت بعض النساء مبادرات نوعية في مجالات مثل التوعية ضد التطرف، الدعم النفسي، وتوثيق الانتهاكات. هذه المبادرات لم تقتصر على المدن الكبرى، بل انتشرت في مناطق نائية وصعبة الوصول.
كما لعبت النساء دورًا في إعادة بناء العلاقات المجتمعية، خاصة في المناطق التي عانت من الانقسامات الطائفية والسياسية. المرأة هنا لم تكن مجرد وسيط، بل كانت صوتًا للعدالة، وأملاً في تجاوز الماضي.
المرأة السورية في الإعلام والمنصات الرقمية
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وجدت النساء السوريّات منفذًا للتعبير عن قضاياهن ومشاكلهن بعيدًا عن الرقابة. ظهرت صحفيات ومدونات وصانعات محتوى يتحدثن عن التحديات اليومية، ويروين قصصًا من أرض الواقع.
هذا الحضور الرقمي مكّن المرأة من كسر حاجز الصمت، والتأثير في الرأي العام، ومناصرة قضايا مغيّبة مثل التحرش، العنف الأسري، أو حرمان المرأة من الحضانة أو الميراث.
المرأة السورية في المستقبل: آمال وتحديات
بينما تتجه سوريا إلى إعادة الإعمار، يبرز دور المرأة كعنصر لا غنى عنه في البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. الطموحات كبيرة، لكن التحديات لا تقل ضخامة، بدءًا من تعديل القوانين المجحفة، مرورًا بفتح آفاق التعليم والعمل، وانتهاءً بكسر الصور النمطية.
المستقبل يتطلب رؤية متكاملة تضع المرأة في صلب السياسات الوطنية، لا كضحية أو تابع، بل كشريك أصيل في التنمية. فنجاح أي مسار إصلاح أو مصالحة لن يكتمل دون إدماج فعلي للنساء على كافة المستويات.