تحظى مسألة الرواتب في اليمن بأهمية متزايدة في ظل التحديات الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد منذ سنوات. ومع دخول عام 2025، أصبح من الضروري الوقوف عند تفاصيل الأجور والمرتبات، وفهم العوامل التي تؤثر عليها، خصوصًا في ظل تغيرات سعر صرف العملة المحلية، والتفاوت بين المناطق والقطاعات، وانعكاسات الصراع على الاقتصاد. يعرض هذا المقال صورة موسعة لواقع الرواتب في اليمن مع التركيز على المتغيرات الحديثة، في محاولة لفهم الأبعاد الاجتماعية والمعيشية المرتبطة بها.
أقسام المقال
الحد الأدنى للأجور في اليمن
أعلنت الحكومة اليمنية في العام 2025 عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 21,000 ريال يمني شهريًا، أي ما يعادل نحو 85 دولارًا أمريكيًا. هذه الخطوة جاءت استجابةً للضغوط المعيشية والغلاء المستمر في أسعار المواد الأساسية. ومع أن هذه الزيادة تُعدّ رمزية من ناحية القيمة الفعلية بسبب ضعف القوة الشرائية، إلا أنها تُعتبر تحولًا في سياسة الأجور المتجمدة منذ سنوات. إلا أن كثيرًا من الموظفين لا يتقاضون هذا الحد فعليًا بسبب الانقسام الإداري في البلاد وضعف الالتزام المؤسسي.
متوسط الرواتب في اليمن
متوسط الرواتب في اليمن لعام 2025 يبلغ حوالي 53,415 ريال يمني شهريًا، وهو ما يعادل نحو 215 دولارًا. هذا الرقم لا يعكس بالضرورة تحسنًا في أوضاع العاملين، بل يأتي وسط تفاوت واسع في الدخول حسب التخصص والموقع الجغرافي. فالموظفون في بعض الشركات الخاصة يتقاضون رواتب مضاعفة، بينما يبقى قطاع واسع من العاملين في الوظائف الحكومية والتعليم والصحة برواتب منخفضة جدًا لا تغطي إلا جزءًا بسيطًا من الاحتياجات.
الفروقات بين القطاعات
تشير البيانات إلى تفاوت كبير في الأجور بين مختلف القطاعات في اليمن. العاملون في قطاع تكنولوجيا المعلومات، على سبيل المثال، يحظون بمتوسط دخل سنوي يقارب 16,6 مليون ريال، وهو الأعلى بين القطاعات، بينما يتقاضى العاملون في مجالات مثل الحرف اليدوية والزراعة أجورًا أقل بكثير. يعود هذا التفاوت إلى عوامل مثل طبيعة السوق، ومستوى المهارات المطلوبة، ونوعية الشركات (محلية أو دولية)، بالإضافة إلى ارتباط بعض القطاعات بالدعم الأجنبي.
تأثير التضخم وسعر الصرف
بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في اليمن مطلع 2025 نحو 2150 ريالًا يمنيًا، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات الأساسية. ومع بقاء الأجور في مستويات منخفضة، أصبحت القدرة الشرائية للمواطن اليمني في تراجع مستمر. يؤثر هذا الوضع بشكل خاص على ذوي الدخل الثابت، بينما يجد العاملون في الاقتصاد غير الرسمي أنفسهم مضطرين إلى تعدد مصادر الدخل أو الهجرة نحو أعمال هامشية لتأمين احتياجاتهم.
الرواتب في القطاعين العام والخاص
يعاني الموظفون الحكوميون في اليمن من عدم انتظام صرف الرواتب، خصوصًا في المناطق التي تسيطر عليها أطراف مختلفة. بينما يتمتع العاملون في القطاع الخاص بفرص دخل أفضل نسبيًا، خصوصًا في القطاعات المرتبطة بالمساعدات الإنسانية أو التقنية. لكن يظل القطاع الخاص أيضًا متذبذبًا، ويعتمد في كثير من الأحيان على التمويل الخارجي، مما يهدد استقراره. يتقاضى مديرو المشاريع ومهندسو البرمجيات أعلى الرواتب، بينما ينخفض متوسط الأجور لدى الفنيين والمعلمين.
الفروقات الجغرافية في الرواتب
يظهر التفاوت الجغرافي بوضوح بين المدن الكبرى مثل صنعاء وعدن، والمناطق الريفية. في صنعاء، حيث تتركز المنظمات الدولية والمشاريع الخاصة، يمكن أن يصل متوسط الدخل إلى 546 دولارًا شهريًا، بينما يتراجع في عدن إلى حوالي 100 دولار فقط. أما في المناطق الريفية، فتعتمد الدخول غالبًا على الزراعة أو الأعمال اليومية المؤقتة، ويصعب تحديد متوسط ثابت لها بسبب التفاوت في فرص العمل.
الرواتب والقدرة الشرائية
تشير التقديرات إلى أن تكلفة المعيشة للفرد في اليمن تتجاوز 500 دولار شهريًا، في حين أن متوسط الراتب بعد الضرائب لا يتعدى 390 دولارًا في بعض المدن. هذا الفارق يضع الأسر أمام عجز شهري متواصل، ويضطرها إلى الاعتماد على التحويلات من الخارج، أو الدعم الإنساني. تؤدي هذه الفجوة أيضًا إلى تراجع مستوى الإنفاق على التعليم والصحة والترفيه، ما ينعكس سلبًا على نوعية الحياة.
التحويلات المالية كمصدر دخل
تلعب التحويلات المالية من اليمنيين العاملين في الخارج، خاصة في السعودية وقطر، دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاد المحلي. تشير التقديرات إلى أن التحويلات تتجاوز 3 مليارات دولار سنويًا، وتُعدّ مصدر دخل رئيسي للعديد من العائلات. تغطي هذه التحويلات النفقات اليومية وتساعد في تمويل مشاريع صغيرة، وتعويض النقص في الرواتب المحلية. ومع ذلك، تبقى هذه التحويلات مرهونة بسياسات الدول المستضيفة وأوضاع المغتربين.
تأثير الرواتب على سوق العمل
انخفاض الرواتب وضعف الحوافز في المؤسسات الحكومية والخاصة تسبب في هجرة العقول والكفاءات نحو الخارج أو نحو أعمال أخرى مثل التجارة أو العمل الحر. كما أدت الأجور المنخفضة إلى عزوف الكثير من الشباب عن الالتحاق ببعض التخصصات التي تتطلب سنوات من الدراسة، مثل التعليم والتمريض. هذا الواقع يفرض على الدولة والقطاع الخاص إعادة النظر في سياسات الرواتب والتحفيز.
الختام
تمثل الرواتب في اليمن انعكاسًا دقيقًا لحالة الاقتصاد العامة، وهي في حاجة ماسة إلى إصلاحات جوهرية تواكب التغيرات المعيشية. من الضروري أن تترافق الزيادات في الأجور مع سياسات مالية نقدية تضبط التضخم وتحافظ على استقرار العملة. كما يجب التركيز على دعم القطاعات الإنتاجية وتهيئة بيئة استثمارية مشجعة لخلق وظائف ذات مردود مجزٍ. ومن دون هذه الإصلاحات، سيظل المواطن اليمني محاصرًا بين راتب لا يكفي وغلاء لا يرحم.