الأديان في اليمن

تتمتع اليمن بتاريخ ديني عميق ومتعدد الأوجه، حيث شكّل الدين عنصرًا أساسيًا في بناء هوية المجتمع اليمني وتاريخه الحضاري الممتد لآلاف السنين. في قلب شبه الجزيرة العربية، كانت اليمن ملتقى للأديان والمذاهب، وشهدت مراحل من التنوع والانسجام، وأحيانًا الصراع والتوتر، بين المعتقدات المختلفة. ومع مرور الزمن، تطورت الأديان في اليمن، وتغير حضورها، لكن أثرها ظل قويًا في الثقافة والسياسة والنسيج الاجتماعي.

الإسلام في اليمن: الأغلبية الساحقة

يُهيمن الإسلام على المشهد الديني في اليمن، حيث يشكل المسلمون ما يقارب 99% من إجمالي السكان. ينقسم المسلمون إلى طائفتين رئيسيتين هما السنة والشيعة، ولكل طائفة جذور تاريخية ممتدة في المجتمع اليمني. يتبع معظم السُنّة المذهب الشافعي، ويقطنون بصورة أساسية في مناطق الجنوب والشرق مثل عدن، وحضرموت، وشبوة. بينما يعتنق الشيعة في اليمن المذهب الزيدي، الذي يختلف عن الاثني عشرية المنتشرة في إيران، ويتمركز أتباعه في الشمال، لا سيما في محافظة صعدة.

المذهب الزيدي يتميز بتقارب كبير مع المذهب السني في العديد من الجوانب الفقهية، مما جعل التعايش بين الطائفتين غالبًا ما يكون سلميًا عبر التاريخ، باستثناء فترات سياسية متوترة. وللإسلام في اليمن طابع شعبي قوي، حيث تنتشر المساجد والزوايا والمدارس القرآنية في كل مدينة وقرية، وتُقام المناسبات الدينية برؤية محلية تعكس التقاليد اليمنية الخاصة.

الأقليات الدينية في اليمن: حضور محدود وتحديات مستمرة

رغم سيطرة الإسلام، إلا أن اليمن احتضنت عبر تاريخها أقليات دينية مهمة كان لها دور اقتصادي وثقافي، خاصة الطائفة اليهودية. يعود وجود اليهود في اليمن إلى أكثر من ألفي عام، وكانوا يتمركزون في مناطق مثل ريدة وصنعاء وتعز. غير أن هجرتهم الجماعية في منتصف القرن العشرين، لا سيما في عملية “بساط الريح” إلى فلسطين، أدت إلى تقلص وجودهم بشكل حاد.

في الوقت الحاضر، لم يتبقَ سوى عدد محدود جدًا من اليهود اليمنيين، يعيشون في عزلة اجتماعية شبه تامة. أما المسيحيون، فأغلبهم من الأجانب المقيمين في اليمن، بالإضافة إلى قلة من اليمنيين الذين اعتنقوا المسيحية في الخفاء. توجد كذلك أقليات صغيرة من البهائيين والهندوس، إلا أنهم يواجهون قيودًا على حرية العبادة، ويفتقرون إلى التمثيل القانوني أو الاعتراف الرسمي، ما يجعل ممارستهم الدينية محدودة للغاية.

الحرية الدينية في اليمن: بين النصوص الدستورية والواقع

الدستور اليمني ينص على أن الإسلام هو دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهذا ما يجعل حرية الدين في اليمن مشروطة وغير مطلقة. رغم وجود إشارات في النصوص إلى احترام الأديان الأخرى، إلا أن الواقع يُظهر تضييقًا كبيرًا على حرية المعتقد، خاصةً في ما يتعلق بالتحول من الإسلام إلى ديانات أخرى، حيث يُعامل المرتد باعتباره مجرمًا حسب التفسير السائد للشريعة.

من الملاحظ أن هناك رقابة شديدة على الكتب والمطبوعات الدينية غير الإسلامية، فضلًا عن غياب دور العبادة المرخصة لغير المسلمين. كما أن القوانين لا توفر حماية كافية للأقليات الدينية، ولا تعترف بها كمكوّن من مكونات المجتمع، مما يجعلها عرضة للتمييز والإقصاء، سواء في العمل أو التعليم أو الحقوق المدنية.

تأثير الصراعات على التنوع الديني في اليمن

ألقت الحرب المستمرة منذ عام 2015 بظلال قاتمة على الحريات الدينية، ودفعت بالعديد من أفراد الأقليات إلى الهجرة أو العيش في الظل. البهائيون، على سبيل المثال، تعرضوا لسلسلة من الاعتقالات والانتهاكات، وتم اتهامهم زورًا بالتجسس والارتباط بجهات أجنبية. أما ما تبقى من اليهود، فغالبًا ما وجدوا أنفسهم محاصرين وسط صراع طائفي وسياسي، دون حماية حقيقية من الدولة أو المجتمع.

الكنائس القليلة الموجودة في اليمن، والتي كانت تستخدم من قبل الجاليات الأجنبية، أُغلقت أو تضررت خلال الحرب. كما أن البيئة السياسية والأمنية أصبحت طاردة لكل ما يُعتبر مخالفًا للسائد الديني، ما أدى إلى تضييق الخناق أكثر على أي محاولات لبناء مجتمع متنوع دينيًا أو ثقافيًا.

التعليم الديني ودوره في المجتمع اليمني

يشكّل التعليم الديني أحد أعمدة النظام التعليمي في اليمن، حيث يتم تضمين المواد الدينية في جميع المراحل الدراسية، بإشراف من وزارة الأوقاف والإرشاد. تنتشر المدارس الدينية الخاصة، والزوايا التقليدية، والمراكز القرآنية في المدن والقرى، ويُنظر إلى التعليم الديني كأداة رئيسية لتكوين الهوية الإسلامية لدى الناشئة.

غير أن هذا النمط من التعليم قد يفتقر في أحيان كثيرة إلى الانفتاح على الأديان والمذاهب الأخرى، مما يُنتج أجيالًا تحمل تصورات ضيقة عن الآخر. فالمناهج الدراسية تركز بشكل كبير على المذهب الرسمي دون ذكر تنوع المذاهب الإسلامية أو الديانات الأخرى، مما يُضعف من قيم التعايش والتعددية التي يُفترض أن تنمو في مجتمع عانى كثيرًا من الانقسامات.

آفاق المستقبل: نحو مجتمع أكثر شمولية وتسامحًا

إذا كانت الحروب والاضطرابات قد مزقت النسيج الديني والاجتماعي لليمن، فإن مستقبلًا جديدًا يجب أن يُبنى على مبادئ التسامح وقبول الآخر. تعزيز ثقافة المواطنة المتساوية، ومراجعة المناهج التعليمية لتشمل التعدد الديني والمذهبي، وسن قوانين تحمي الحريات الدينية وتمنع التمييز، كلها خطوات ضرورية لاستعادة التوازن في المجتمع.

كذلك، فإن تمكين الحوار بين المذاهب الإسلامية، وبين الإسلام وبقية الديانات، يُمكن أن يُسهم في الحد من الكراهية، ويدعم الجهود الرامية إلى بناء دولة مدنية تحترم حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم. من خلال إشراك رجال الدين والمثقفين في نشر خطاب ديني معتدل، يمكن لليمن أن يستعيد بعضًا من تاريخه العريق كموطن للتنوع والتعايش.