عملة اليمن

الريال اليمني لا يُمثل فقط أداة نقدية يتم تداولها في الأسواق، بل يعكس أيضاً تاريخًا اقتصاديًا وسياسيًا طويلًا، مليئًا بالتحديات والتحولات. لطالما كانت العملة اليمنية مرآة للوضع العام في البلاد، سواء في أوقات الاستقرار أو خلال فترات النزاع. ومع تفاقم الأزمة اليمنية في السنوات الأخيرة، أصبح الريال محورًا للجدل والنقاش بسبب الانقسام النقدي والتدهور الحاد في قيمته. سنتناول في هذا المقال الجوانب التاريخية والاقتصادية والفنية المرتبطة بالريال اليمني، مع التركيز على آخر مستجدات سعر الصرف والتضخم وتأثير النزاع السياسي.

تاريخ العملة في اليمن

تُعد تجربة اليمن مع العملات تجربة معقدة ومتعددة الفصول. ففي العصور القديمة، كانت المجتمعات اليمنية تستخدم الذهب والفضة والأصداف كوسائل للتبادل، ثم جاءت العملات الإسلامية والعثمانية. في مطلع القرن العشرين، أصدر الإمام يحيى عملات معدنية خاصة سُميت بـ”الريال العمادي”، وشكّلت أول خطوة نحو عملة وطنية يمنية.

في جنوب اليمن، وتحديدًا بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، تم اعتماد الدينار الجنوبي الذي كان يُعد من أقوى العملات في حينه، مدعومًا من بنك اليمن الجنوبي. ومع توحيد الشطرين في 1990، كان من الضروري توحيد النظام النقدي، ليتم اختيار الريال كعملة موحدة، واستمر تداول الدينار حتى تم سحبه بالكامل عام 1996.

فئات الريال اليمني

تضم العملة اليمنية فئات متعددة سواء من العملة الورقية أو المعدنية. العملات الورقية الأكثر تداولًا هي: 50، 100، 200، 250، 500، و1000 ريال. وتتميز بتصميماتها التي تعكس الهوية اليمنية، حيث تظهر على بعضها معالم تاريخية مثل سد مأرب، ومسجد الصالح، وقصر غمدان، ومواقع تراثية أخرى.

أما العملات المعدنية فهي أقل استخدامًا بسبب قيمتها المنخفضة، وتضم فئات: 1، 5، 10، و20 ريالًا. وغالبًا ما تتوقف المصارف عن إصدارها أو تتراجع عن استخدامها نتيجة التضخم وتكاليف الإنتاج، لكنها تظل جزءًا من النظام النقدي الرسمي.

تأثير النزاع على الريال اليمني

منذ اندلاع الحرب في عام 2015، تعرض الريال اليمني لانهيار تدريجي في قيمته، مدفوعًا بعدم الاستقرار السياسي، وانقسام المؤسسات النقدية، وتراجع الصادرات، وتجميد الإيرادات النفطية والغازية التي كانت تمثل المصدر الأساسي للعملات الأجنبية.

وفي عام 2025، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في مناطق الحكومة الشرعية مثل عدن حوالي 243.94 ريالاً للدولار، بينما ظل السعر ثابتًا نسبيًا في صنعاء عند حدود 535 ريالًا، نتيجة منع الحوثيين لتداول الطبعات الجديدة من العملة. هذا الانقسام أوجد بيئة اقتصادية مزدوجة وغير مستقرة، حيث تختلف القيم النقدية للسلع حسب المنطقة.

أسباب تدهور قيمة الريال اليمني

يمكن تلخيص أبرز الأسباب التي أدت إلى تدهور الريال اليمني فيما يلي:

  • تضاؤل مصادر الدخل القومي: فقدت اليمن أغلب صادراتها النفطية والغازية، التي كانت تشكل 70% من إيرادات الدولة.
  • الاعتماد الكلي على الاستيراد: مع استيراد أكثر من 90% من الغذاء والدواء والوقود، يتطلب الأمر عملات أجنبية دائمة، وهو ما يفتقر إليه الاقتصاد.
  • توسع الكتلة النقدية: أدت طباعة كميات كبيرة من الأوراق النقدية في عدن إلى تضخم جامح، خاصة في ظل غياب التغطية بالذهب أو الدولار.
  • غياب السياسات النقدية الموحدة: نتيجة للانقسام السياسي والعسكري، تعمل بنكين مركزيين بشكل مستقل، ما يعرقل أي محاولات للسيطرة على الأسواق.

التضخم والقدرة الشرائية

أصبح التضخم مشكلة مزمنة في الاقتصاد اليمني. فقد توقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ معدل التضخم في اليمن خلال عام 2025 نحو 20.7%، مقارنة بـ 16.3% في 2024، ما يشير إلى تفاقم الوضع المالي. ويؤثر هذا التضخم مباشرة على أسعار السلع والخدمات، حيث أصبحت أبسط الحاجيات اليومية غير متاحة لشرائح واسعة من السكان.

تآكلت القدرة الشرائية للريال إلى درجة جعلت كثيراً من الموظفين والمتقاعدين عاجزين عن تغطية احتياجاتهم الشهرية. بعض الأسر تلجأ إلى التحويلات من أقاربها في الخارج أو الاعتماد على المعونات الإنسانية للبقاء، خاصة أن أكثر من 80% من السكان بحاجة إلى نوع من المساعدة الإنسانية.

الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار

رغم صعوبة المشهد، هناك بعض الجهود التي تحاول تحقيق نوع من التوازن المالي:

  • الدعم الخارجي: تشمل ودائع سعودية وإماراتية في البنك المركزي بعدن، استخدمت في تمويل الواردات وتغطية عجز الميزانية.
  • آلية المزادات: يستخدمها البنك المركزي لتوفير الدولار لتجار السلع الأساسية، بهدف كبح المضاربات.
  • جهود ضبط سوق الصرافة: تم تعليق تراخيص عدد من شركات الصرافة المخالفة وتنفيذ حملات رقابة.

لكن لا تزال تلك الجهود محدودة الأثر ما لم يُعاد توحيد السياسة النقدية، ويتم إيجاد حلول سياسية شاملة تُمكن من استعادة الاستقرار.

تحليل إضافي: المستقبل المجهول للعملة اليمنية

في ظل استمرار النزاع وتقلبات سعر الصرف، بات مستقبل الريال اليمني في مهب الريح. يزداد الحديث عن الحاجة إلى إصلاح اقتصادي جذري، يشمل دعم الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمار، وتقليص الاعتماد على الواردات، وهو ما لا يمكن تحقيقه بدون سلام شامل.

تتجه بعض الأصوات إلى مقترحات جذرية، مثل ربط الريال بالدولار بشكل رسمي أو استخدام عملات أجنبية مستقرة في التداول، إلا أن ذلك يحمل مخاطر سيادية وفقدان للسيطرة الاقتصادية. لذلك، يبقى الخيار الأمثل هو خلق بيئة مستقرة تسمح بإصلاح شامل يعيد للريال مكانته التاريخية ويستعيد الثقة به محليًا ودوليًا.

الخلاصة

الريال اليمني ليس مجرد عملة بل جزء من كيان الدولة اليمنية وهويتها. ما يمر به اليوم من ضعف وتقلب ليس إلا انعكاسًا لوضع اقتصادي وسياسي منهك. إن إنقاذ الريال يتطلب حلولاً شاملة على مستويات السياسة، الاقتصاد، والإدارة، ولا يمكن لأي تدخل جزئي أن ينجح ما لم تتوقف الحرب وتُبنى مؤسسات موحدة وقوية تعمل من أجل استقرار اليمن واقتصاده.