نساء اليمن

في بلدٍ أنهكته الحروب والانقسامات السياسية، تقف المرأة اليمنية كجدارٍ منيع، تحمل عبء الأزمات وتُضيء شمعة الأمل في أحلك الظروف. فهي ليست فقط الزوجة أو الأم أو الأخت، بل هي المعلمة، والمزارعة، والطبيبة، والناشطة، وصوتٌ لا يمكن تجاهله في مشهدٍ اجتماعيٍ وسياسيٍ مضطرب. عبر التاريخ، لعبت نساء اليمن دورًا محوريًا في النسيج الاجتماعي، ولكن ما مرت به البلاد خلال العقد الأخير وضعهن في مواجهة مباشرة مع مزيجٍ من التحديات والفرص التي أعادت تشكيل حضورهن في المجتمع.

المرأة اليمنية في ظل الحرب: تحديات يومية

منذ اندلاع الحرب في العام 2015، شهدت المرأة اليمنية تحولًا كبيرًا في دورها المجتمعي. إذ اضطرت آلاف النساء إلى أن يصبحن المعيلات الوحيدات لأسرهن بعد فقدان الأزواج أو غيابهم بسبب الحرب. وأدى الانهيار الاقتصادي إلى ارتفاع نسبة النساء العاملات في القطاع غير الرسمي، حيث يعملن في الزراعة، والخياطة المنزلية، وصناعة الحرف اليدوية، وبيع الأطعمة، وسط ظروفٍ قاسية وغياب أي حماية قانونية أو اجتماعية.

علاوة على ذلك، فإن النساء يواجهن خطرًا يوميًا يتمثل في العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الزواج القسري والزواج المبكر، وهي ظواهر تزايدت بشكل كبير نتيجة النزوح والفقر. ومع ذلك، فإن قدرة المرأة على التحمل والبقاء نشطة في ظل هذه الظروف، تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنها تمثل حجر الزاوية في استمرار الحياة في اليمن.

التمكين السياسي للمرأة اليمنية: خطوات نحو المشاركة

لم يكن للمرأة اليمنية نصيبٌ كبير في الحياة السياسية قبل الحرب، إلا أن ظروف النزاع أوجدت فراغًا في بعض المناصب، ما فتح الباب أمام عدد من النساء لتولي أدوار جديدة في مؤسسات المجتمع المدني والحكومة على حد سواء. فقد شهدت البلاد بروز عدد من الناشطات في مفاوضات السلام، إضافة إلى وجود نساء في المجالس المحلية والمبادرات الشعبية لإدارة الأزمات.

وعلى الرغم من أن نسبة تمثيل النساء في البرلمان اليمني لا تزال متدنية جدًا، إلا أن صوت المرأة بدأ يفرض نفسه على الطاولة السياسية. ومن بين الأسماء البارزة التي ساهمت في تمثيل صوت النساء دوليًا، نجد توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والتي سلطت الضوء على أهمية الدور النسائي في التحول الديمقراطي.

التمكين الاقتصادي: فرص وتحديات

يعاني الاقتصاد اليمني من تدهور مستمر، لكن النساء وجدن في هذا الواقع تحديًا يدفعهن إلى الابتكار والاعتماد على الذات. ففي مدن مثل تعز وصنعاء وعدن، ظهرت مبادرات نسائية تدير ورشات للخياطة، أو تعمل في إنتاج المواد الغذائية، أو تُدير مشاريع تجارية عبر الإنترنت.

غير أن التمكين الاقتصادي لا يتحقق بسهولة؛ فهناك صعوبات عدة أبرزها غياب التمويل، والعوائق الاجتماعية، والنظرة الذكورية التي لا تزال سائدة في بعض المناطق. ومن هنا، ظهرت الحاجة إلى برامج تدريب متخصصة تراعي خصوصية المجتمع اليمني وتُوفر للنساء سبل العيش الكريم والاستقلال المالي.

التعليم والصحة: حقوقٌ منقوصة

يُعد قطاع التعليم من أكثر القطاعات تضررًا جراء الحرب، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تعليم الفتيات. فقد أُغلقت آلاف المدارس، بينما أُجبرت كثير من العائلات على إخراج بناتهن من التعليم بسبب النزوح أو الفقر أو انعدام الأمن. ويُضاف إلى ذلك انتشار زواج القاصرات كبديل يُنظر إليه على أنه “حماية” للفتيات.

أما القطاع الصحي، فالوضع فيه لا يقل خطورة، خصوصًا فيما يتعلق بصحة الأم والطفل. فنسبة وفيات الأمهات أثناء الولادة تُعد من الأعلى في المنطقة، وذلك نتيجة نقص الكوادر الطبية، وانعدام الأدوية، وتدمير المرافق الصحية. هذا الواقع يحرم المرأة اليمنية من حقٍ أساسي هو الرعاية الصحية اللائقة.

المرأة اليمنية في الشتات: دورٌ متنامٍ

لم يتوقف نضال المرأة اليمنية عند حدود الوطن. ففي دول الشتات، تبرز جهود نساء يمنيات يقدن حملات توعوية، ويؤسسن منظمات داعمة لحقوق النساء في الداخل، وينقلن معاناة المجتمع الدولي. وقد شهدنا تزايد عدد الناشطات والإعلاميات اليمنيات اللواتي يشاركن في مؤتمرات دولية ويدافعن عن قضايا بلدهن من منابر عالمية.

هذا الدور الخارجي يُكمل النضال الداخلي ويعزز فرص الضغط الدولي لإدراج قضايا النساء في خطط الإعمار والسلام، ويُظهر كيف يمكن للمرأة أن تكون همزة وصل بين الداخل والخارج في سبيل التغيير الحقيقي.

آفاق المستقبل: نحو تمكينٍ شامل

يظل المستقبل رهينًا بمدى قدرة اليمن على إنهاء الحرب والانخراط في عملية بناء وطنية شاملة تراعي مشاركة جميع فئات المجتمع. ومن الواضح أن تمكين المرأة يجب أن يكون حجر الزاوية في أي مشروع وطني، ليس فقط من منظور العدالة، بل لأنه ضرورة لبناء مجتمع سليم.

لتحقيق هذا، لا بد من تعديل القوانين التمييزية، وتطوير المناهج التعليمية، وإدماج النساء في جميع مؤسسات الدولة، وتمويل مشاريعهن، وتمكينهن من الوصول إلى العدالة. إن النساء في اليمن أثبتن أنهن قادرات على حمل عبء وطنٍ بأكمله، فهل آن الأوان لأن يحصلن على الاعتراف الكامل؟