اللجوء في باكستان

تُعد باكستان واحدة من أبرز الدول التي استضافت أعدادًا ضخمة من اللاجئين على مدى عقود، حيث فتحت أبوابها لملايين الأشخاص الفارين من الصراعات في المنطقة، خاصة من أفغانستان المجاورة. منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان في أواخر السبعينيات، شهدت باكستان تدفق ملايين الأفغان الذين بحثوا عن ملاذ آمن، مما جعلها واحدة من أكبر دول العالم استضافةً للاجئين. بحلول منتصف عام 2023، كان يعيش في باكستان حوالي 1.45 مليون لاجئ أفغاني مسجل رسميًا، إضافة إلى مئات الآلاف من الأفغان الذين هاجروا بعد سيطرة طالبان على أفغانستان عام 2021، مع تقديرات تشير إلى أن أكثر من 531,000 عادوا أو فُرض عليهم المغادرة منذ أواخر 2023. الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين هم من الأفغان، مع وجود أعداد قليلة جدًا من جنسيات أخرى، مما يعكس تأثير الصراعات الإقليمية على هيكلية اللجوء في البلاد. هذا الدور التاريخي جعل باكستان مركزًا إنسانيًا هامًا، لكنه فرض تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، حيث تكافح الحكومة لتوفير الموارد اللازمة لهذا العدد الهائل من اللاجئين مع الحفاظ على استقرارها الداخلي.

الوضع القانوني للاجئين في باكستان

على الرغم من استضافة باكستان لملايين اللاجئين، إلا أن الإطار القانوني الذي يحكم وضعهم يظل محدودًا ومعقدًا. لم توقّع باكستان على اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، مما يعني أنها لا تلتزم بالمعايير الدولية بشكل كامل. بدلاً من ذلك، تعتمد الحكومة على سياسات داخلية، مثل “السياسة الشاملة بشأن العودة الطوعية وإدارة شؤون المواطنين الأفغان” التي أُقرت عام 2017، والتي سجلت بموجبها حوالي 880,000 أفغاني غير مسجلين. تُصدر الحكومة بطاقات إثبات التسجيل التي تتيح للاجئين البقاء مؤقتًا بشكل قانوني، لكن صلاحية هذه البطاقات غالبًا ما تكون قصيرة الأمد، مما يترك اللاجئين في حالة من عدم اليقين. على سبيل المثال، بحلول يونيو 2023، كانت بطاقات التسجيل لـ1.45 مليون لاجئ أفغاني قد انتهت صلاحيتها، مما أثار مخاوف من الترحيل. ومع ذلك، في يوليو 2024، مددت الحكومة الباكستانية صلاحية هذه البطاقات حتى 30 يونيو 2025، مما منح اللاجئين المسجلين فترة إضافية من الحماية المؤقتة. هذا النقص في الحماية القانونية الدائمة يجعل اللاجئين عرضة للمضايقات والاعتقال، خاصة في ظل التغيرات السياسية والأمنية.

تحديات اللاجئين في باكستان

يواجه اللاجئون في باكستان، وخاصة الأفغان، تحديات كبيرة تعيق اندماجهم في المجتمع. يعيش جزء كبير من اللاجئين الأفغان المسجلين، يُقدر بحوالي 440,000 شخص، في عشرات المخيمات الموزعة عبر باكستان، مع تركيز كبير في إقليم خيبر بختونخوا، وأعداد أقل في بلوشستان ومناطق أخرى مثل البنجاب. هذه المخيمات غالبًا ما تفتقر إلى الموارد الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. في المناطق الحضرية، يُمنع اللاجئون من العمل بشكل قانوني، مما يدفعهم إلى القطاع غير الرسمي حيث الأجور منخفضة ومخاطر الاستغلال مرتفعة. كما يعاني اللاجئون من وصمة اجتماعية في بعض المجتمعات المحلية، حيث يُنظر إليهم أحيانًا كعبء على الموارد. هذه التحديات تتفاقم مع وجود حوالي 110,000 لاجئ وطالب لجوء يُعتبرون في فئات عالية الخطورة، مثل النساء والأطفال غير المصحوبين، الذين يحتاجون إلى حماية دولية مكثفة. هذه الظروف تجعل الحياة اليومية للاجئين صعبة، حيث يعيشون في حالة من الخوف المستمر من الترحيل أو فقدان سبل العيش.

سياسات الترحيل في باكستان

في السنوات الأخيرة، اتخذت باكستان موقفًا أكثر تشددًا تجاه اللاجئين غير المسجلين، خاصة بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021. منذ أواخر 2023، أعلنت الحكومة خطة لترحيل ملايين الأفغان، بما في ذلك حوالي 2 مليون أفغاني غير موثق وأعداد من المسجلين، على مراحل. أدت هذه السياسة إلى عودة أكثر من 531,000 أفغاني إلى بلادهم بحلول مارس 2024، مما أثار مخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان. هذه السياسة أثارت انتقادات دولية، حيث حذرت منظمات حقوق الإنسان من أن الترحيل الجماعي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية، خاصة مع وجود 3.3 ملايين نازح داخلي في أفغانستان بحاجة إلى مساعدات.

النزوح الداخلي واللاجئون الباكستانيون خارج باكستان

إلى جانب استضافة اللاجئين الأجانب، تواجه باكستان تحديات النزوح الداخلي واللاجئين الباكستانيين في الخارج. شهد إقليم خيبر بختونخوا نزوحًا كبيرًا بسبب العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة، حيث نزح أكثر من 1.5 مليون شخص في عام 2009 من المناطق القبلية المتاخمة للحدود الشمالية الغربية، مع استضافة مخيمات مثل جالوزاي حوالي 80,000 نازح. كما شهدت منطقة خيبر نزوح عشرات الآلاف منذ 2012 بسبب الصراعات المستمرة. أما بالنسبة للاجئين الباكستانيين، فقد دفع العنف الطائفي أعدادًا غير محددة بدقة من أقلية الهزارا في بلوشستان إلى الهجرة، حيث توجه البعض إلى دول مثل أستراليا وكندا بحثًا عن الأمان، بينما انتقل آخرون إلى مناطق أخرى داخل باكستان منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. هذه الديناميكيات تعكس التحديات المزدوجة التي تواجهها باكستان كدولة مضيفة ومصدرة للاجئين.

دور المنظمات الدولية في باكستان

تلعب المنظمات الدولية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دورًا حاسمًا في دعم اللاجئين والنازحين في باكستان. تقدم هذه المنظمات مساعدات تشمل الغذاء، المأوى، والرعاية الصحية، إضافة إلى برامج إعادة التوطين للاجئين الأكثر عرضة للخطر. على سبيل المثال، ساعدت برامج إعادة التوطين عددًا محدودًا من الأفغان الأكثر عرضة للخطر على الانتقال إلى دول مثل الولايات المتحدة وكندا، بينما دعمت المفوضية عودة حوالي 94,000 أفغاني من باكستان منذ يناير 2023. كما تدعم المفوضية العودة الطوعية للاجئين إلى أفغانستان، رغم أن الوضع الأمني هناك يجعل هذا الخيار صعبًا. بالإضافة إلى ذلك، قدمت المفوضية مساعدات للنازحين داخليًا، مثل توزيع الخيام والبطانيات في مخيمات مثل جالوزاي. هذه الجهود تتطلب تعاونًا وثيقًا مع الحكومة الباكستانية، التي تواجه ضغوطًا لتحسين الإطار القانوني لحماية اللاجئين، مثل سن قانون وطني للاجئين. مع ذلك، فإن نقص التمويل يظل عائقًا أمام تلبية الاحتياجات المتزايدة.

مستقبل اللجوء في باكستان

مع استمرار عدم الاستقرار في أفغانستان والمنطقة، يظل مستقبل اللاجئين في باكستان غامضًا. مع استمرار وجود أكثر من 3 ملايين أفغاني في باكستان، بما في ذلك 1.45 مليون مسجل وملايين غير موثقين، يظل المستقبل غامضًا، خاصة مع سياسات الترحيل المستمرة التي أدت إلى عودة أكثر من 531,000 شخص بحلول مارس 2024. تحسين الإطار القانوني وتوفير فرص عمل وتعليم أفضل يمكن أن يساعد في دمج اللاجئين بشكل أكثر فعالية. كما أن دعم النازحين داخليًا، الذين يتجاوز عددهم الملايين، يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية. التعاون الدولي سيظل ضروريًا لتخفيف العبء عن باكستان، التي توازن بين الالتزامات الإنسانية والتحديات الأمنية والاقتصادية. في النهاية، يتطلب مستقبل اللجوء في باكستان نهجًا شاملاً يضمن حياة كريمة للاجئين والنازحين مع الحفاظ على الاستقرار الوطني.